شعبان بلال (القاهرة، بيروت)
حطم عشرات المحتجين في لبنان فروعاً لبنوك تجارية في حي بالعاصمة بيروت، أمس، وأضرموا فيها النار، كما قطعوا بعض الطرق، اعتراضاً على القيود غير الرسمية المفروضة على عمليات السحب والقائمة منذ سنوات، إضافة إلى الأوضاع الاقتصادية الآخذة في التدهور بسرعة.
وقال متحدث باسم جمعية «صرخة المودعين» إن ستة أفرع لبنوك على الأقل استهدفت مع وصول الليرة اللبنانية لانخفاض قياسي جديد أمس. و«الجمعية» تمثل المودعين الذين لا يمكنهم الوصول لأموالهم في القطاع المصرفي في البلاد.
واحترق بنك في حي بدارو، وكان رجال إطفاء يرشونه بالمياه، بينما وقف أفراد من شرطة مكافحة الشغب على مقربة منهم وهم يحملون الدروع.
ومنذ 2019، فرضت مصارف لبنانية قيوداً على السحب بالدولار والليرة اللبنانية وهي قيود لم تتحول لإجراء رسمي أو قانون في أي وقت من الأوقات، وهو ما دفع المودعين لمحاولة الوصول لحساباتهم وودائعهم عبر دعاوى قانونية أو بالقوة.
ومن بدارو، توجه المتظاهرون إلى منزل رئيس جمعية المصارف سليم صفير الواقع في الضاحية الشمالية الشرقية لبيروت، حيث أحرقوا الإطارات والأخشاب، وكتبوا شعارات على جدار المنزل. ورمى بعضهم الحجارة من فوق الجدران إلى داخل المنزل، المحاط بأسلاك شائكة.
وفقدت الليرة اللبنانية أكثر من 98 بالمئة من قيمتها منذ انهيار القطاع المالي في البلاد في 2019. وجرى تداولها عند نحو 80 ألفاً للدولار أمس، انخفاضاً من 70 ألفاً قبل يومين فحسب.
ولم يرد مصرف لبنان المركزي بعد على طلب للحصول على تعليق عن سبب التراجع الجديد في الليرة والإجراءات التي يتخذها لمعالجة المشكلة. ويواجه مصرف لبنان صعوبات جمة في إدارة الأزمة.
وقال مكتب رئيس الوزراء اللبناني إن العمل جار لمعالجة الأوضاع المالية في البلاد.
وخطا لبنان أول خطوة في طريق الحصول على حزمة إنقاذ مالي من صندوق النقد الدولي في أبريل 2022، لكن وبعد ما يقرب من عام أخفق في تنفيذ إصلاحات مطلوبة لتحقيق هذا الهدف.
وأكد خبراء ومحللون سياسيون لـ«الاتحاد» أن الفراغ الرئاسي في لبنان وعدم وجود حكومة كاملة الصلاحيات عائق أمام المساعدات الاقتصادية الدولية خاصة من صندوق النقد الدولي لمواجهة الانهيار خاصة خلال الفترة الأخيرة.
ويرى الباحث السياسي اللبناني محمود فقيه أن صندوق النقد ينتظر إصلاحات وإجراءات حكومية بخطوات إصلاحية وخطة واضحة، لكن الفراغ الرئاسي والحكومي يعوق أي إصلاحات نحو المسار المطلوب.
وأضاف لـ«الاتحاد» أنه مع عدم اتخاذ هذه الخطوات سيستمر لبنان في حالة أزمة وانهيار، خاصة أن ما تقوم الحكومة الحالية تسيير أعمال في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية والصحية والتعليمية وغيرها. ويطالب صندوق النقد ومؤسسات مالية دولية لبنان بإصلاحات قبل الموافقة على القروض وأموال المساعدات، لكن منذ انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون في نهاية أكتوبر، فشل البرلمان اللبناني 11 مرة في انتخاب رئيس جراء انقسامات سياسية عميقة، مع استمرار فشل محاولات استبدال حكومة تصريف الأعمال.
وأوضح السياسي والبرلماني السابق مصطفى علوش أن أحد شروط قرض صندوق النقد الدولي أن يرى جدوى حقيقية، وإجراء إصلاحات بالبنية الإدارية والقطاع العام والقدرة على خفض الهدر وإنقاص العجز، إضافة إلى أن القرض سيأتي على دفعات بجدول زمني لمراقبة الإصلاحات المطلوبة.
وقال علوش لـ«الاتحاد» إن تنفيذ هذه الشروط يحتاج إلى سلطة تنفيذية ذات صلاحية ومجلس تشريعي يقر الإصلاحات ويسن القوانين، وكل ذلك معطل حسب الدستور بخلو منصب رئيس الجمهورية، ويتسبب في استحالة الانتفاع أو الحصول على القرض.
من جهتها، أوضحت النائبة البرلمانية اللبنانية الدكتورة نجاة عون صليبا لـ«الاتحاد»، أن الرئاسة هي المدخل الوحيد لتفعيل المؤسسات الرسمية وتأليف الفريق الرسمي للتعامل مع صندوق النقد، معتبرة أن الفراغ السياسي يعطل الإصلاحات التي يحتاجها صندوق النقد وغيره من المؤسسات المالية الأخرى.
ورجح الخبراء أن يؤدي الفراغ السياسي غير المسبوق إلى زيادة تأخير التوصل لأي اتفاق بشأن حل الأزمة وإقرار الإصلاحات الضرورية، وهو ما يعمق محنة الشعب اللبناني.
وعلى وقع الأزمة التي صنّفها البنك الدولي من بين الأسوأ في العالم منذ عام 1850، شهدت المصارف إشكالات متكررة بين مواطنين غاضبين وموظفين ملتزمين تعليمات إداراتهم، كما تعرضت لعدة عمليات اقتحام من مودعين يطالبون بأموالهم.
كذلك، أغلقت المصارف أبوابها مرات عدة، وقد أعلنت جمعية المصارف في السادس من الشهر الحالي إضراباً مفتوحاً، معتبرة أن الأزمة الحالية ليست أزمة مصارف فقط بل نظام مالي بأكمله.