دينا محمود (بيروت، لندن)
وسط مطالبات قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان، بضرورة الإسراع في إنجاز التحقيقات الرامية للكشف عن هوية منفذي الهجوم الذي استهدف إحدى دورياتها منتصف الشهر الماضي في جنوبي البلاد، أعربت أوساط تحليلية عدة، عن تشاؤمها، إزاء إمكانية أن تفضي مثل هذه الجهود، إلى إماطة اللثام عن المسؤولين عن هذا الاعتداء، الذي تشير أصابع الاتهام فيه، إلى ميليشيات «حزب الله» الإرهابية.
فرغم أن الحزب سلَّم السلطات اللبنانية في الأسبوع الأخير من ديسمبر الماضي، شخصاً وُصِفَ بأنه مشتبهٌ في ارتكابه الهجوم، فإن ذلك لا يعني على الإطلاق، بنظر محللين، وجود رغبة حقيقية لدى هذه الميليشيات، في العمل على كشف ملابسات تلك العملية الإجرامية، التي أدت لمقتل جندي إيرلندي، إثر إطلاق النار على آلية كان يستقلها، ما قاد كذلك إلى جرح ثلاثة آخرين، من عناصر قوة «اليونيفيل».
وأكد متابعون للشأن اللبناني، أن سوابق ما آلت إليه التحقيقات في الجرائم التي يُشتبه في تورط «حزب الله» فيها على مدار العقود الماضية، بدءاً باغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري عام 2005 وصولاً إلى تصفية الناشط المناوئ لـ «الحزب» لقمان سليم مطلع العام قبل الماضي، تعزز الشكوك في إمكانية تحقيق العدالة، فيما يتعلق بالهجوم الأخير، الذي شهدته منطقة «العاقبية»، الواقعة تحت سيطرة شبه كاملة، من جانب عناصر هذا التنظيم المسلح وأنصاره. وأشار هؤلاء، إلى أن اختطاف «حزب الله» للقرار السياسي والعسكري في لبنان منذ سنوات طويلة، أدى إلى أن تمر الغالبية العظمى من الجرائم ذات الدوافع السياسية التي وقعت في هذا البلد من قبل، من دون عقاب، خاصة في ظل العراقيل التي يضعها «الحزب»، على طريق تحقيق العدالة وضمان المساءلة فيها.
ادعاء بالتعاون
وتجسد ذلك، في المحاولات المستميتة التي قام بها «حزب الله» خلال الشهور التالية للانفجار الهائل الذي ضرب مرفأ بيروت، في أغسطس 2020، بهدف طمس المؤشرات التي تفيد بتورطه، في تلك الكارثة التي أوقعت أكثر من 7 آلاف قتيل وجريح، وألحقت الدمار بمناطق واسعة من العاصمة اللبنانية.
وفي تصريحات نشرها الموقع الإلكتروني لمحطة «راديو وتليفزيون إيرلندا»، قال محللون، إن اضطرار «حزب الله» للتظاهر بالتعاون مع التحقيق الجاري في هجوم «العاقبية»، يعود إلى المأزق الذي يواجهه على الساحة اللبنانية منذ عدة أعوام، وأدى إلى فقدانه وحلفائه الأغلبية البرلمانية، في انتخابات مجلس النواب، التي أُجريت منتصف مارس الماضي.
فشريحة واسعة من اللبنانيين تُحمِّل «حزب الله» المسؤولية ليس فقط عن انفجار بيروت، بل أيضاً عن الأزمة الاقتصادية والمالية التي تعصف ببلادهم، ووصلت إلى ذروتها اعتباراً من أكتوبر 2019، ما أفضى إلى انهيار قيمة العملة المحلية، وهروب رؤوس الأموال الأجنبية، ونضوب احتياطيات العملة الصعبة، وشُح المواد الأساسية، وكذلك لأن يسقط غالبية السكان تحت خطر الفقر.
ويلقي الانهيار المالي الحالي بظلاله على «الحزب» بدوره، على ضوء عجزه عن الاعتماد على داعميه الإقليميين، لكي يعوض الخسائر الكبيرة التي تكبدتها ميزانيته، بفعل تورطه في نزاعات إقليمية مختلفة في السنوات الأخيرة، وجراء تفاقم الأزمة الاقتصادية التي لا توجد مؤشرات على إمكانية انفراجها قريباً في لبنان.
وبالتوازي مع تصاعد حالة النقمة الشعبية حيال «حزب الله»، انتهت في أواخر أكتوبر الماضي، فترة حكم الرئيس ميشال عون مؤسس «التيار الوطني الحر»، ليفقد «الحزب» بذلك، أحد حلفائه البارزين على قمة السلطة في بيروت. ويعني ذلك أن هجوم «العاقبية» وقع في وقت غير مناسب على الإطلاق بالنسبة لـ «الحزب»، إذ يعجز في الوقت الحاضر، عن استغلال أوراق الضغط، التي اعتادت تلك الميليشيات الإرهابية، اللجوء إليها في الوقائع المماثلة التي تورطت فيها في السابق، لعرقلة التحقيقات في الاعتداء على قوة «اليونيفيل».