أحمد عاطف، شعبان بلال، ودينا محمود (كابول، القاهرة، لندن)
على عكس التوجه العالمي بالاهتمام بالمرأة ومنحها المزيد من الحقوق والامتيازات، جاء قرار حركة «طالبان» الصادم بمنع تعليم الفتيات وحظر عمل النساء في المنظمات غير الحكومية المحلية والدولية، ما اعتبره خبراء ومحللون ومتخصصون فى العلوم النفسية والسياسية إنه سيكون له تأثير سلبي كبير على أفغانستان بأكملها، ويمنع نصف السكان من المساهمة في المجتمع والاقتصاد، ويعرضّ البلاد إلى المزيد من العزلة الدولية والصعوبات الاقتصادية والمعاناة لسنوات قادمة.
وأكد الخبراء في تصريحات لـ«الاتحاد» أن قرارات حركة «طالبان» تعيق جهود تقديم الإغاثة الإنسانية للبلاد، كما أن حرمان النساء والفتيات من حقهن الأساسي في التعليم يحرم كل أفغانستان من المستقبل، مشيرين إلى أن الخطوات التي اتخذتها الحركة لاستبعاد الفتيات من التعليم وأماكن العمل وغيرها من مجالات الحياة تزيد من المخاطر ضدهم.
وصف مساعد وزير الدفاع الأميركي لشوون الشرق الأوسط السابق الجنرال مارك كيميت قرارت «طالبان» بأنها قصر النظر بالنسبة للحركة وتعد انتهاكاً لحقوق الإنسان ومواثيق الأمم المتحدة.
وأضاف المسؤول الأميركي السابق في تصريح لـ«الاتحاد» أن مثل هذه القرارات التي تنتهك حقوق الإنسان تمثل سداً من المجتمع الدولي لعدم الاستمرار في تقديم المساعدات الإنسانية.
تبعات خطيرة
وتُذّكر أستاذة العلوم السياسية بالجامعة الأميركية في القاهرة الدكتورة نهى بكر بأنه منذ أن سيطرت «طالبان» على السلطة في أفغانستان، منعت الفتيات من الالتحاق بالمدارس الثانوية، وقيدت حرية النساء في التحرك، واستبعدتهن من معظم المهن، وحظرت عليهن استخدام الحدائق وصالات الألعاب الرياضية. وأكدت الدكتورة نهى في تصريح لـ«الاتحاد» أن تبعات الأمر خطيرة للغاية إقليمياً وعالمياً، لأن نواتج الأمر شملت منع نصف السكان من المساهمة بشكل هادف في المجتمع والاقتصاد وسيكون له تأثير سلبي على أفغانستان بأكملها، ويعرضها لمزيد من العزلة الدولية والصعوبات الاقتصادية، ويؤثر على الملايين لسنوات قادمة. ولفتت أستاذة العلوم السياسية إلى أن حرمان النساء والفتيات من حقهن الأساسي في التعليم هو حرمان لكل أفغانستان من المستقبل، معتبرةً أن الخطوات التي اتخذتها «طالبان» تزيد من مخاطر الزواج القسري والمبكر والعنف والاعتداءات على النساء.
وترى أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأميركية بالقاهرة أن ما جرى يتعارض مع المعايير العالمية لحقوق الإنسان وثوابت القانون الدولي التي تقوم عليها المجتمعات، ويؤثر سلباً على التنميه بأهدافها المستدامة.
ضربة موجعة
بدوره، اعتبر مدير مركز «الكنانة للدراسات السياسية والاستراتيجية» هاني الجمل أن قرار حركة «طالبان» يشكل ضربة موجعة للتعهدات التي قطعتها الحركة على نفسها باحترامها لقواعد القانون الدولي الإنساني والعمل على تمكين المرأة والحصول على حقوقها في التعليم والعمل وممارسة حياتها الطبيعية من دون ضغط عليها أو معاقتبها أو إجبارها على عدم ارتداء الزي الذي تفرضه عليهن.
وأعرب الجمل خلال حديثه لـ«الاتحاد» عن اعتقاده بأن هذه الخطوة كانت آتية لا محالة، لافتاً إلى أننا أمام حالة من التجهيل القسري للمرأة الأفغانية وتقييد ما تمتلكه من مهارات ونوع من التمييز النوعي ضدها، والأسوأ من ذلك رفض الحكومة الأفغانية المطالب الدولية بالتراجع عن القرار بل وقبول الآثار المترتبة على ذلك سواء بتعليق عمل منظمات المجتمع الدولي بها أو فرض عقوبات دولية عليها.
ولفت مدير مركز «الكنانة» إلى أن «العالم أمام تراجع فكري في أفغانستان تحت وطأة حكم طالبان، وله آثار سلبية على مستقبل البلاد ويدخلها في أتون مستقبل مجهول يعود بها سنوات للوراء من تقييد الحريات وعرقلة مراحل التحول الديمقراطي الذي لوحت به «طالبان» إبان توليها الحكم والسيطرة على مفاصل الدولة هناك وبالتالي فنحن أمام إشكالية لها عدة أبعاد، أولها تصدير هذه الأزمة واعتبارها نموذجاً لدولة لا تقبل المساواة النوعية والحقوقية». وأكد الجمل على أن تبعات القرارات ستؤدي لإدخال البلاد في حالة من العزلة الدولية والإقليمية، وهو ما ينعكس بشكل سلبي على اقتصادها والتنمية المستدامة التي كان يقدمها الاتحاد الأوروبي، كما أنه يعتبر تأسيساً لدولة ترفض الحوار مع الآخر مهما كلفتها هذه القرارات الخاطئة، إضافة لفقد مصداقيتها أمام المجتمع الدولي في احترامها للقوانين والمواثيق الدولية مما يقطع عنها الاندماج في المنظمات الدولية والإقليمية على السواء.
مخالفة للشريعة
ويفسر استشاري ومدرس الطب النفسي بجامعة الأزهر الدكتور محمد حمودة منع الفتيات من التعليم بأنه أخطر من منعهن من العمل لأن التعليم هو الذي يُعرفهن حقوقهن في المجتمع.
وأضاف الدكتور حمودة في تصريح لـ «الاتحاد» أن المنع من التعليم والعمل ليس له علاقة بالإسلام، بل مخالف لتعاليمه، لأن المرأة في الإسلام تتعلم وتروي الأحاديث ولها دور في كل نواحي الحياة، لاسيما أن الهدف من المنع من التعليم هو تحويل المرأة لكائنات تابعة من دون شخصية لهن.
وفي ظل هذا الوضع القاتم، يرى الدكتور حمودة في تصريح لـ«الاتحاد» أنه «لاتوجد توقعات عما ستؤول إليه تلك الأزمة ولا إلى أين تنتهي، ولا ندري هل ستصمت النساء والرجال المتعلمون في أفغانستان عن ذلك، ولا ما هو موقف دول العالم تجاه تلك الإجراءات».ويعتقد استشاري الطب النفسي أن المسألة لن تكون منعاً تاماً من التعليم بل سيكون تعليماً إلى مراحل معينة والسماح للمرأة بشغل أعمال معينة فقط بناءً على نوعية التعليم المحدودة.
تأويلات غير شرعية
تتفق الدكتورة رحاب العوضي أستاذ علم النفس السلوكي مع الطرح السابق، وتصف أسباب منع المرأة والفتاة من التعليم والعمل بأنها حالة مرضية نفسية عانى منها بعض القائمين على القرار، مستندين إلى تأويلات غير شرعية ولا علاقة لها بالدين.
وأشارت الدكتورة العوضي خلال حديثها لـ«الاتحاد» إلى أن بعضهم يخاف من المرأة إذا تعلمت وفهمت وتثقفت واستطاعت أن تقول «لا»، فبهذه الحالة تربي أجيالاً واعية وفاهمة رافضة للعنف والقتل والعدوان على الغير وتستطيع أن تربي أجيالاً متسامحة متقبلة لاختلاف البشر.
تصرفات متوقعة
اعتبر الباحث المصري المتخصص في شؤون الحركات المتطرفة والإرهاب الدولي منير أديب بأن قرار حركة «طالبان» لم يكن مفاجئاً بل يأتي متسقاً مع الأفكار التي تؤمن بها الحركة، مشيراً إلى أنه خلال التجربة الأولى لها في الحكم منعت فيها الطالبات من التعلم ومنعت المرأة من الخروج من المنزل وفرضت عليها زياً معيناً، ومنعتها من المشاركة في الأنشطة المجتمعية أو أن تكون مؤثرة فيه.
وأضاف أديب في تصريح لـ«الاتحاد» أن حركة «طالبان» لم تتغير، فهي تقوم على نفس الأفكار والرؤى والتصورات، فكل من راهن على تغيرها خسر الرهان، وكل التصريحات التي أدلت بها قيادات الحركة شكلية ورمزية، ومجرد كلام وكانت محاولة لمغازلة المجتمع الدولي والإفراج عن الأموال التي كانت لدى بعض الدول.
وتوقع الباحث المتخصص في شؤون الحركات المتطرفة أن يتخذ المجتمع الدولي موقفاً قوياً ضد «طالبان» بعد قراراتها الأخيرة.
التهميش الاجتماعي
تشير الباحثة المصرية في علم الاجتماع السياسي سلمى أنور، إلى أن النساء والفتيات في أفغانستان تواجهن قدراً كبيراً من التهميش الاجتماعي والسياسي والإنساني، وأن المآلات مأسوية للغاية لأنه بجانب الضغوط الحياتية والاقتصادية والتهديد بالمجاعة والحق فى الحياة، أصبحت النساء والفتيات محرومات من كل شيء.
وأضافت الدكتورة سلمى في تصريح لـ«الاتحاد» أن التفكير الراديكالي الذي حاولت أميركا مواجهته وفشلت فيه عبر التعامل الأمني والعسكري، هو ما جعل الأمر يصل لأكثر من ذلك، خاصة أن «طالبان» تروج لأفكارها بكافة الوسائل وتمنع النساء من التعليم والسفر.
قيود «طالبان» تهدد بقطع المساعدات عن 28 مليون أفغاني
في ظل تصاعد مشاعر القلق الدولي حيال القرارات الأخيرة التي اتخذتها حركة «طالبان» بمنع النساء والفتيات في أفغانستان من التعليم الجامعي وحظر عملهن في المنظمات غير الحكومية الناشطة هناك، أعرب خبراء وعاملون في مجال الإغاثة، عن مخاوفهم من تبعات هذه الخطوات، على التعاون القائم بين الحركة والمجتمع الدولي، على صعيد تقديم الدعم الإنساني الضروري، للفئات الأكثر احتياجا من الأفغان.
فالقيود الجديدة التي فُرِضَت على الأفغانيات، وقوبلت بموجة واسعة النطاق من الإدانة والتنديد باعتبار أنها تشكل انتهاكاً لقرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة، من شأنها الإضرار بأنشطة الإغاثة التي تمس الحاجة إليها في أفغانستان، خاصة خلال فصل الشتاء، في بلد تعصف به أزمة اقتصادية حادة من الأصل.
وحذر خبراء، تحدثوا لصحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، من أن الحظر المفروض على تعليم الإناث في هذا البلد ومنعهن من العمل في الأنشطة الإغاثية في إطار المنظمات غير الحكومية المحلية والدولية، بات يمثل نقطة خلاف رئيسة بين المجتمع الدولي والحركة الحاكمة في أفغانستان منذ أغسطس 2021، مشيرين إلى أن الانقسام القائم في هذا الشأن بين الجانبين، سيحول من دون حصول «طالبان»، على مساعدات مالية تسعى لنيلها في الفترة الحالية، لتلبية الاحتياجات الأساسية للأفغان. ويزيد من تبعات هذه الأزمة، اتخاذ منظمات إغاثة أجنبية عاملة في أفغانستان، قراراً بتعليق العمل هناك، إثر حظر عمل الأفغانيات فيها، وهو القرار الذي أعقب اجتماعاً ضم ممثلين عن بعض هذه المنظمات، ومسؤولين بارزين في الأمم المتحدة، التي كانت قد طالبت بدورها، بضرورة التراجع عن القرارات الأخيرة، مُحذرة من أن المضي قدماً على طريق تنفيذها، سيجعل «من العسير للغاية مواصلة تقديم المساعدات الإنسانية بطريقة مستقلة وعادلة».
وفي مطلع الشهر الجاري، حذرت المنظمة الأممية من أن هناك «أزمة جوع» باتت تلوح في الأفق في أفغانستان، في ظل تقديرات تفيد بأن نصف السكان، يعانون حالياً من مستويات حادة من الجوع، من بينهم قرابة 6 ملايين نسمة، باتوا على شفا مواجهة مجاعة فعلية، ما يجعل ثلثيْ الأفغان على الأقل، بحاجة لمساعدات إنسانية.
كما يعاني نحو مليون طفل أفغاني في الوقت الحاضر، من سوء التغذية الحاد، الذي يهدد حياتهم.
وفي هذا السياق، نقلت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية، عن ممثلين لمنظمات إغاثية عاملة في أفغانستان قولهم، إن القرارات الأخيرة الموجهة ضد عمل النساء الأفغانيات في ذلك المجال، تهدد البلاد بخسارة مساعدات تُقدر قيمتها بمليارات الدولارات، حال اضطرار تلك المنظمات لوقف عملها تماماً، على ضوء أنها تُشغِّل آلافاً من الأفغانيات في صفوفها.
وتسهم هذه المساعدات، في دعم قطاع الخدمات العامة المتداعي في أفغانستان، ومن شأن استمرارها مد يد العون للفئات الأكثر هشاشة في البلاد، وسط الوضع الاقتصادي المتأزم بشدة، بفعل عقود من الصراع المسلح، والتدخلات الخارجية. ويحذر مسؤولو أنشطة الإغاثة الدولية، من أن تعليقها لوقت طويل أو وقفها، سيؤدي فعلياً إلى قطع «شريان الحياة»، عن أكثر من 28 مليون أفغاني، ممن يُتوقع أن يعتمدوا بشكل كبير على المساعدات الإنسانية، خلال العام الجديد.