دينا محمود (لندن، عواصم)
قلل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من كفاءة منظومة «باتريوت» الدفاعية التي سلمتها الولايات المتحدة لأوكرانيا، مشيراً إلى أنها أقل فاعلية من منظومة «إس 300» التي تمتلكها بلاده. وتعهد بوتين في كلمة بعد اجتماع لمجلس الدولة بموسكو، أمس، بأن بلاده ستحطم المنظومة الأميركية إذا أرسلتها واشنطن إلى أوكرانيا.
وأضاف: «روسيا ستجد مضاداً لصواريخ باتريوت التي سلمتها واشنطن لكييف، وعلى الغرب حينها أن يجد بديلاً لها»، لافتاً إلى أن بلاده تأخذ بالحسبان ما بقي في مخازن الغرب من أسلحة.
بدوره أكد الكرملين أن تزويد الولايات المتحدة، أوكرانيا بأنظمة صواريخ باتريوت، وفقاً لما تم إعلانه خلال زيارة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي لواشنطن أمس الأول، لن يسهم في تسوية الصراع بين موسكو وكييف، كما أنه لن يحول بين روسيا وبين تحقيق أهدافها.
وقال المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف: «لم تظهر أي مؤشرات على الاستعداد لإجراء محادثات سلام خلال زيارة زيلينسكي لواشنطن»، مؤكداً أن الرئيس الأميركي والرئيس الأوكراني لم يقولا أي شيء يمكن اعتباره نية محتملة للإصغاء للمخاوف الروسية.
والتقى الرئيس الأوكراني، الرئيس جو بايدن في المكتب البيضاوي بالبيت الأبيض، وعقد وإيّاه مؤتمراً صحافياً مشتركاً شكره فيه على قراره تزويد كييف بمنظومة باتريوت المتطوّرة للدفاع الجوّي، في أول رحلة له إلى الخارج منذ بدء الأزمة في 24 فبراير.
وأكّد الرئيس الأوكراني في خطاب ألقاه في الكابيتول، أنّ بلاده «لن تستسلم أبداً»، مشدّداً على أنّ المساعدة الأميركية لكييف «ليست صدقة» بل هي «استثمار» في الأمن العالمي.
ودخل الرئيس الأوكراني على وقع التصفيق مقرّ الكونغرس الأميركي الذي اجتمع بمجلسيه للاستماع لخطاب الرئيس الضيف أمس الأول، مستهلاً خطابه برسالة تحدّ للقوات الروسية.
وقال «خلافاً لأسوأ التوقّعات، أوكرانيا لم تسقط. أوكرانيا حيّة وتقاتل»، مؤكّداً أنّ قواته «صامدة في مواقعها ولن تستسلم أبداً». وحرص الرئيس الأوكراني على إقناع الكونغرس، بمواصلة تمويل المساعدة العسكرية التي تقدّمها أميركا لأوكرانيا.
ومع اقتراب الأزمة الأوكرانية من دخول شهرها الحادي عشر، تتصاعد المخاوف في أروقة دوائر التحليل السياسي في عواصم كبريات دول العالم، من أن يقود استمرارها إلى وقوع صدام عسكري أوسع نطاقاً، يشمل قوى رئيسة على الساحة الدولية.
ورغم أن المعارك الدائرة في أوكرانيا منذ أواخر فبراير 2022 لم يتسع نطاقها حتى الآن إلى ما يتجاوز طرفيْها الأوكراني والروسي، فإن تواصلها دون وجود أي أفق لوضع حد لها ولو بشكل مؤقت، يفتح الباب واسعاً، أمام أسوأ الاحتمالات والسيناريوهات، وهو ما يستوجب، وفقاً للمحللين الغربيين، بلورة استراتيجية شاملة، من شأنها ضمان الأمن لطرفيْ الأزمة الحالية، وإعادة الهدوء والاستقرار إلى أوروبا والعالم.
ويدعو المحللون في هذا السياق إلى أن تضع القوى الغربية الكبرى خريطة طريق، توضح أولاً المخاطر المترتبة على استمرار القتال الراهن، قبل أن تستعرض الآثار المدمرة التي سيُخلفّها ذلك على الجانبين المتحاربين، مؤكدة في الوقت نفسه، أن التشبث بالخيار العسكري، لن يصب في صالح أحد، بل سيقود لمزيد من الخسائر البشرية والاقتصادية.
ومن الضروري، أن تحدد هذه الخريطة أيضاً، المكاسب التي سيجنيها الجانبان إذا ما اختارا المضي قدماً على مسار التهدئة، وأن تتضمن كذلك تعهداً باحترام سيادة روسيا وأوكرانيا وسلامة أراضي كل منهما.
وفي تصريحات نشرتها مجلة «فورين أفيَرز» الأميركية على موقعها الإلكتروني، قال المحللون إنه يتعين على واضعي مثل هذه الخريطة، التأكيد على احترام الغرب للمصالح الروسية، مقابل إبداء موسكو التزامها بميثاق الأمم المتحدة ومبادئ القانون الدولي، والمعاهدات والاتفاقيات الدولية ذات الصلة بالأمن الأوروبي.
كما ينبغي على الغرب في هذا الإطار، وضع جدول زمني، لفك التجميد عن الأصول الروسية الخاضعة لتدابير عقابية حالياً، مقابل اتخاذ الكرملين قراراً بسحب قواته من المناطق التي سيطر عليها منذ اندلاع المعارك الأخيرة، على أن يتم التعهد برفع العقوبات بشكل كامل، بمجرد انتهاء الحرب بشكل رسمي.
ودعا المحللون في الوقت نفسه، إلى إرجاء حسم ملف شبه جزيرة القرم المتنازع عليها بين أوكرانيا وروسيا، إلى مفاوضات مستقبلية، يتم تحديد موعدها بعد أن تُطوى صفحة الأزمة الراهنة، وذلك لتجنب أن يقود بحث هذا الملف الشائك، إلى تعقيد جهود إنهاء القتال الحالي الذي بات أشبه بـ «حرب استنزاف طاحنة».
وبحسب هؤلاء المحللين، تحتاج القارة الأوروبية في الوقت الحاضر، لوضع «خطة سياسية متماسكة، ترمي لإنهاء المواجهات، بما يتضمن منح تطمينات وضمانات أمنية للأوكرانيين، واتخاذ خطوات واضحة وملموسة بالتوازي مع ذلك، تؤكد للروس أن بلادهم، ستعود إلى أوروبا والساحة الدولية، كما كان الوضع قبل اندلاع الأزمة».