أحمد شعبان (القاهرة)
أكد علماء الأزهر الشريف أن الهجرة النبوية المشرفة من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة أسست لإقامة مجتمع مسلم تُعظم فيه شعائر الإسلام، وتُصان فيه حقوق غير المسلمين.
وأشاروا خلال حديثهم لـ«الاتحاد» إلى أن وثيقة المدينة التي وضعها النبي صلى الله عليه وسلم والتي تضمنت 54 بنداً، أكدت على الدولة المدنية التي تحث على قيم المواطنة والتسامح والأخوة الإنسانية والتعايش السلمي بين أبناء الوطن الواحد على اختلاف عقائدهم.
وثيقة المدينة
ويقول الدكتور أحمد محمود كريمة أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر: إن الهجرة النبوية أسست لإقامة مجتمع مسلم، تُعظم فيه شعائر الإسلام، وتُصان فيه حقوق غير المسلمين والتعايش السلمي، ويشير إلى أن أول ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم بعد هجرته إلى المدينة إقامة المعاهدات السلمية مع اليهود، «وهذا كان يدل ولا يزال على تطلع الإسلام إلى التسامح الديني».
وأضاف أن النبي صلى الله عليه وسلم أتبع المعاهدات السلمية مع اليهود بوثيقة ودستور وصحيفة المدينة، وهي مكونة من 54 مادة تكفل ضمانات العيش الكريم للمسلمين وغيرهم من أصحاب الديانات الأخرى، وتضمن حرية الاعتقاد والتنقل، مع التأكيد على أن هذه الحقوق لا تكون على حساب الثوابت والقطعيات والأصول الإسلامية.
التعايش السلمي
وفي نفس السياق، رأى الدكتور عبدالغفار عبد الستار أستاذ الحديث بجامعة الأزهر، أن من أهم المبادئ التي رسختها الهجرة النبوية المشرفة التعايش السلمي وحقوق المواطنة بين المسلمين وبين غيرهم، مشيراً إلى أن الإسلام علمنا أن الدين لله والوطن للجميع، مؤكداً أن الإسلام جاء بهذه المبادئ والنبي صلى الله عليه وسلم طبقها واقعياً ونظرياً، مضيفاً: «نحن بحاجة إلى تطبيق هذه الأمور في حياتنا». ولفت إلى أن هناك مشاهد كثيرة في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم تحث على التعايش، حيث كان يحث أصحابه على حسن معاملة الجيران، مشيراً إلى أن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما كان له جار يهودي فكان إذا ذبح أضحية كان يعطيه منها، فحينما سُئل عن ذلك، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «مازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه».
وأكد عبدالغفار أن المواطنة حق مشروع للجميع، وأن الإسلام كفل الحرية لغير المسلمين، ولهم أن ينعموا ويعيشوا في حياة سعيدة، وحرم الإسلام الاعتداء على غير المسلمين، امتثالاً للقاعدة «لهم ما لنا، وعليهم ما علينا»، أي لهم ما لنا من الحقوق والحريات، وعليهم بعض الذي علينا من الواجبات، وتشمل هذه القاعدة حماية غير المسلمين من أي اعتداء داخلي أو خارجي وحماية أموالهم وأعراضهم.
مبادئ
إلى ذلك، اعتبر عميد كلية أصول الدين جامعة الأزهر بالمنوفية الدكتور عبدالفتاح خضر أن من المبادئ التي حثت عليها الهجرة النبوية المشرفة تأسيس الأخوة الإنسانية بين جميع البشر على اختلاف عقائدهم في مجتمع المدينة المنورة، مشيراً إلى أن الأخوة الإنسانية تحث على ترك كل ما يؤذي البشر من أقوال وأفعال ومن حروب ومكائد وغيبة ونميمة.
وأوضح أن المهاجر هو من يهجر كل هذه المؤذيات كما جاء في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: «إن المهاجر من هجر ما نهى الله عنه»، مشدداً على ضرورة ترك كل هذه المنهيات والتي لو هجرها كل شخص لكان أخاً كريماً في الإنسانية والدين والوطن.
وأشار إلى أن ما حدث بين الأوس والخزرج يُعد من دروس الهجرة التي يجب أن نستفيد منها، حيث آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين أبناء البلد الأصليين ومن جاءوا مهاجرين، وقسم بعضهم المال والبيت بينهما، مضيفاً: «إن هذا المثال الرائع للأخوة الإنسانية بين المهاجرين والأنصار لو سحبناه وطبقناه على أصحاب الوطن الواحد، لكنا قد طبقنا هدي النبي واستوعبنا فقه السيرة العطرة».