وائل بدران، وكالات (عواصم)
وقعت روسيا وأوكرانيا اتفاقاً شديد الأهمية، اليوم الجمعة، لإعادة فتح الموانئ الأوكرانية على البحر الأسود، واستئناف تصدير الحبوب، وهو ما أنعش الآمال في إمكانية تخفيف حدة أزمة الغذاء العالمية التي تفاقمت بسبب الأزمة الأوكرانية.
جاء الاتفاق تتويجاً لمحادثات على مدى شهرين بوساطة الأمم المتحدة وتركيا، العضو في حلف شمال الأطلسي التي تتمتع بعلاقات جيدة مع روسيا وأوكرانيا على حد سواء، وتسيطر على المضائق المؤدية إلى البحر الأسود.
وفي كلمته بمراسم توقيع الاتفاق في إسطنبول، قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش، إن الاتفاق يفتح الطريق أمام كميات كبيرة من الصادرات الغذائية التجارية من ثلاثة موانئ أوكرانية رئيسة هي أوديسا وتشسرنومورسك ويوجني.
وقال جوتيريش، أمام حشد المجتمعين: «توجد منارة على البحر الأسود.. منارة للأمل والفرص والارتياح في عالم يحتاج ذلك أكثر من أي وقت مضى».
لكن القتال احتدم بلا هوادة في شرق أوكرانيا، في انعكاس لانعدام الثقة، الذي أدى إلى أسوأ صراع في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، فيما رفض الممثلون الروس والأوكرانيون الجلوس إلى نفس الطاولة، وتجنبوا المصافحة في الحفل.
وأدى الحصار الروسي على الموانئ الأوكرانية في البحر الأسود، إلى بقاء عشرات الملايين من الأطنان من الحبوب في الصوامع وتقطع السبل بكثير من السفن وتفاقم الاختناقات في سلسلة التوريد العالمية.
ومع العقوبات الغربية الكاسحة، تصاعدت وتيرة التضخم المتسارع في أسعار المواد الغذائية والطاقة حول العالم.
ونفت موسكو مسؤوليتها عن أزمة الغذاء المتفاقمة، وأنحت بدلاً من ذلك باللائمة على العقوبات الغربية في تباطؤ صادراتها من المواد الغذائية والأسمدة، واتهمت أوكرانيا بتلغيم الطرق المؤدية إلى موانئها على البحر الأسود.
وقال رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو، إن الدول الغربية ستراقب عن كثب المشهد لضمان ألا يتسبب الاتفاق لاستئناف صادرات الحبوب الأوكرانية عبر البحر الأسود في مخاطر إضافية لأوكرانيا تتعلق بالعمليات الروسية.
وأضاف ترودو: «تعمل مجموعة الدول السبع عن كثب مع شركائها، مثل تركيا ودول أخرى، لضمان أن نتمكن من إخراج الحبوب من أوكرانيا لأماكن حول العالم تحتاجها من دون تعريض سيادة أوكرانيا وحمايتها للخطر».
وقال وزير الدفاع الروسي سيرجي شويجو، في كلمته بإسطنبول، إن موسكو لن «تستغل» إزالة الألغام من الموانئ الأوكرانية.
وقال شويجو لقناة «روسيا 24» التلفزيونية الحكومية: «روسيا أخذت على عاتقها الالتزامات المنصوص عليها بوضوح في هذه الوثيقة، ولن نستغل حقيقة أن الموانئ سيتم تطهيرها وفتحها».
وقال وزير البنية التحتية الأوكراني أولكسندر كوبراكوف أيضاً، إن كييف لا ترى أنها ستتعرض لخطر هجوم بالسفن الروسية عبر موانئ البلاد.
والهدف العام من ذلك هو العمل على تجنب تعرض عشرات الملايين من الأشخاص في الدول الفقيرة إلى مجاعة، وذلك عن طريق ضخ المزيد من القمح وزيت دوار الشمس والأسمدة وغيرها من المنتجات، التي تشمل الاحتياجات الإنسانية، في الأسواق العالمية بأسعار منخفضة نسبياً.
ورحبت الولايات المتحدة بالاتفاق، وقالت إنها ستركز على تحميل روسيا مسؤولية تنفيذه.
من جانبه، أوضح المحلل السياسي الروسي، إيغور تشوبانيان، من مركز «بي آي آر» للأبحاث والذي يتخذ من موسكو مقراً له، أن الاتفاق لا يشمل مرافقة سفن عسكرية للسفن الحبوب، مشيراً إلى أنه سيجري تفتيش السفن إلى أوكرانيا لضمان عدم وجود أسلحة، مع وجود ممثلين لروسيا.
وقال تشوبانيان في تصريحات لـ«الاتحاد»: «الاتفاقية الموقعة بين روسيا والأمم المتحدة تضمن وصول إمدادات الأسمدة والأغذية الروسية، بما في ذلك المواد الخام للإنتاج، إلى الأسواق العالمية من دون عوائق».
وأوضح أن ذلك يعني إزالة عقبات كانت الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي وضعتها في مجالات التمويل والتأمين واللوجيستيات، مضيفاً: «جرى وضع استثناءات لهذه المنتجات الروسية بغض النظر عن العقوبات الغربية المفروضة على روسيا».
وتوقع توشبانيان التزام روسيا بما اتفقت عليه، مشيراً إلى أن النجاح في توقيع الاتفاقيتين أظهر قدرة الأمم المتحدة على حل مشكلة ملحة وليس فقط التفاوض على الحل.
وأكد على أهمية الاتفاقيات الموقعة لكثير من الدول الهشة التي عانت مؤخراً بسبب نقص واردات الحبوب، منوهاً إلى أن توقيع الاتفاقيتين يكشف إمكانية توصل الطرفين المتحاربين إلى تسوية للأزمة وإيجاد حلول متبادلة لقضية مهمة مثل الغذاء.
وفي هذه الأثناء، التقى الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بقادة كبار، اليوم، وقال إن قوات كييف، التي يجري تسليحها بشكل أكبر الآن بأسلحة غربية دقيقة تطال أهدافاً على مدى أطول، لديها إمكانات قوية لتغيير مسار المعارك.
وقال مسؤول دفاعي أميركي رفيع المستوى، الجمعة، إن الولايات المتحدة تعتقد أن مئات المصابين من الجيش الروسي يسقطون يومياً بما يصل إلى آلاف الضباط حتى رتبة جنرال خلال الحرب.
وقال المسؤول إن واشنطن تعتقد أيضاً أن أوكرانيا دمرت أكثر من مئة هدف روسي ذي «قيمة عالية» في أوكرانيا، من بينها مواقع قيادة ومستودعات ذخيرة ومواقع دفاع جوي.
ولم تتحقق نجاحات كبيرة على الخطوط الأمامية من القتال منذ أن سيطرت القوات الروسية على آخر مدينتين تسيطر عليهما أوكرانيا في مقاطعة لوهانسك الشرقية في أواخر يونيو وأوائل يوليو.
وتركز القوات الروسية الآن على السيطرة على مقاطعة دونيتسك المجاورة بالكامل، حيث أعلن الانفصاليون الموالون لروسيا عن دولتين انفصاليتين صغيرتين تغطيان منطقة دونباس الصناعية الأوسع نطاقاً.
وفي الإفادة الصباحية عن أحدث المستجدات، قالت هيئة الأركان العامة الأوكرانية إن القوات الروسية المدعومة بالمدفعية الثقيلة ظلت تحاول التقدم صوب مدينتي كراماتورسك وباخموت ومحطة كهرباء فوهليهيرسكا في دونيتسك.
وتأمل كييف في أن يسمح لها تزويدها التدريجي بأسلحة غربية مثل (هيمارس)، وهو نظام صاروخي مدفعي الأميركي عالي الحركة، بالهجوم المضاد واستعادة الأراضي الشرقية والجنوبية التي استولت عليها القوات الروسية.