دينا محمود (لندن)
أكد رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون نيته البقاء في منصبه، رافضاً الدعوات الموجهة إليه بالاستقالة، رغم تزايد عدد الوزراء المستقيلين من حكومته، وإعلان مزيد من أعضاء مجلس العموم سحب دعمهم لها، في أزمة هي الأخطر منذ توليه رئاسة الحكومة قبل نحو ثلاث سنوات.
وفي جلسة عقدها البرلمان البريطاني أمس، قال جونسون إنه لا يزال لديه «تفويض هائل يخوله الاستمرار في منصبه»، مشيراً في هذا الشأن، إلى نتائج الانتخابات التشريعية، التي أُجريت في ديسمبر 2019، وأسفرت عن فوز حزب المحافظين بقيادته، بأغلبية برلمانية كاسحة، بلغت حد الهيمنة على 365 مقعداً من أصل 650 يتألف منها المجلس.
واعتبر جونسون، خلال الجلسة البرلمانية العاصفة، أن البريطانيين «لا يريدون الانتخابات الآن»، وأن هذه «هي اللحظة التي يُتوقع فيها، أن تواصل الحكومة عملها، وأن تباشر كذلك المهام المنوطة بها، لا أن تنسحب»، وذلك في تحدٍ للمطالب المتصاعدة، بالدعوة إلى إجراء انتخابات مبكرة، وهو ما بات يحظى بدعم عدد من نواب الحزب الحاكم أنفسهم، جنبا إلى جنب مع قيادات المعارضة العمالية.
وتزامنت تصريحات رئيس الوزراء البريطاني، مع تواصل موجة الاستقالات من حكومته، والتي بدأت أمس الأول باستقالة مفاجئة ومتزامنة لوزيريْ الخزانة ريشي سوناك والصحة ساجد جافيد، وشملت حتى الآن عدداً كبيراً من وزراء الدولة في الحكومة، بجانب مسؤولين حكوميين أدنى مرتبة.
وتمثلت شرارة الاستقالات الأخيرة، في إقرار جونسون بأنه أخطأ بتعيينه كريس بينشر، الذي استقال قبل أيام بعد اتهامه بالتحرش خلال إحدى الحفلات، مسؤولاً في حكومته عن الانضباط البرلماني للنواب المحافظين في البرلمان.
وقال عدد من نواب الحزب الحاكم في مجلس العموم البريطاني، في تصريحات لوسائل إعلام محلية، إن قضية بينشر كانت بمثابة «القشة التي قصمت ظهر البعير»، مشددين على رغبة «كثير» من أعضاء الحزب، في أن يترك جونسون منصبه، قبل حلول العطلة الصيفية للبرلمان، التي ستبدأ في الثاني والعشرين من الشهر الجاري.
وكان رئيس الوزراء البريطاني، نجا في الأسبوع الأول من يونيو الماضي، من تصويت بسحب الثقة، أُجري بين النواب الممثلين لحزبه في البرلمان، على خلفية تصاعد الانتقادات الموجهة لسياسات حكومته، إثر سلسلة من الفضائح، شملت الكشف عن مشاركته في حفلات أُقيمت في مقار حكومية، خلال فترة الإغلاق التي أعلنها في بريطانيا، في ربيع عام 2020 للحد من تفشي وباء كورونا، بجانب خسارة «المحافظين» انتخابات تكميلية في عدد من الدوائر.
غير أن الأغلبية الضئيلة التي مَكَنَّت جونسون من تجنب الإطاحة به في ذلك التصويت، بدت مؤشراً على تراجع الدعم له في معسكر المحافظين، وذلك في وقت تواجه فيه بريطانيا ركوداً وشيكاً، في ظل وصول معدلات التضخم لأعلى مستوياتها منذ أربعين عاماً، جراء ارتفاع أسعار الوقود والمواد الغذائية، وسط تواصل الإضرابات العُمالية، التي كان من أبرزها، إضراب شهده قطاع النقل الشهر الماضي، وشل الحركة تقريبا في العاصمة على مدار عدة أيام. ورغم أن القواعد المعمول بها في حزب المحافظين، تحظر اللجوء إلى آلية سحب الثقة سوى مرة في كل 12 شهراً، فإن معارضي جونسون يأملون في أن يتمكنوا من إدخال تعديلات على هذه القواعد، عبر السعي للحصول على غالبية المقاعد في اللجنة المعنية بذلك في الحزب، والمعروفة باسم «لجنة 1922»، من خلال الانتخابات المقررة لأعضائها الأسبوع المقبل.
ناظم الزهاوي.. جار رئيس الوزراء
إذا استطاع رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون الصمود في وجه «تسونامي» الاستقالات الذي يضرب حكومته منذ مساء أمس الأول، فسيُحسب له، بنظر مواطنيه من أصول شرق أوسطية على الأقل، أنه أفسح المجال لتولي وزير من أصول عراقية، أحد أرفع المناصب في الحكومة البريطانية.
فالكثيرون يرون أن حقيبة الخزانة، التي أُسندت إلى ناظم الزهاوي هذا السياسي الخمسيني ذي الأصول العراقية الكردية، هي الأهم في الحكومة البريطانية على الإطلاق. وليس أدل على ذلك، من أن شاغلها يُمنح المنزل رقم 11 في داوننج ستريت، أو شارع داوننج الشهير بقلب لندن، ليصبح جاراً لرئيس الوزراء، القاطن في المبنى المجاور له تماماً. لكن وصول الزهاوي إلى هذا المنصب الرفيع، لا يمثل مفاجأة لمتابعي مسيرة صعوده القوي والسريع في الدوائر السياسية البريطانية، منذ أن انْتُخِبَ عضواً في مجلس العموم عام 2010، مُعززاً بالنجاحات التي كان قد حققها في السنوات السابقة لذلك، في عالم المال والأعمال، والتي كان أبرزها مشاركته في تأسيس شركة «يوجوف» المتخصصة في إجراء استطلاعات الرأي على شبكة الإنترنت. فبعد ثماني سنوات من عضويته في البرلمان عن حزب المحافظين، اختارته رئيسة الوزراء السابقة تريزا ماي عام 2018؛ لدخول حكومتها كوزير دولة للتعليم ثم للصناعة.
غير أن النقلة الكبرى في حياة ذلك المهاجر، الذي فرت أسرته من العراق أواخر سبعينيات القرن الماضي، جاءت في أواخر عام 2020، عندما اختير وزيراً مسؤولاً عن إدارة ملف توزيع اللقاحات المضادة لفيروس كورونا المستجد، في حكومة جونسون هذه المرة.
وأدى النجاح الذي حققه ناظم الزهاوي في التعامل مع هذا الملف الشائك، إلى أن تُسند له حقيبة التعليم بعد عام واحد، قبل أن يصبح وزيراً للخزانة، في خطوة ربما لم يكن هو نفسه يحلم بها، عندما وصل طفلا إلى لندن، في الحادية عشرة من عمره.
ومن شأن تولي هذا المنصب، جعل الصبي اللاجئ، الذي قال معلموه لوالديْه ذات يوم، إنه ربما سيواجه صعوبات في تعلم اللغة الإنجليزية بعد أن تعثر في التحدث بها في البداية، على شفا أن يصبح الخليفة المرجح لجونسون، إذا ما اضطر الأخير في نهاية المطاف إلى الرضوخ لأصوات المطالبين له حالياً بالاستقالة.