هدى جاسم (بغداد)
الإمارات لا تبني الحجر أو تعيد الإعمار فقط، وإنما تعزز قيم التسامح والتعايش في مدينة الموصل، بعد سنوات من الخوف والإرهاب على أيدي تنظيم «داعش»، هكذا يؤكد سامر الذي يعمل في موقع جامع النوري ضمن مبادرة «إحياء روح الموصل». ويقول الشاب الثلاثيني، وهو أحد العاملين في مجال ترميم الآثار، بالمدينة العراقية، التي تبعد حوالي 400 كيلومتر عن العاصمة بغداد، «إنه كان عاطلاً قبل أن تتوفر له فرصة العمل في إعادة ترميم المعالم الأثرية حول جامع النوري، إلى جانب أكثر من 1000 شاب آخر توفرت لهم فرص العمل في مشروع إحياء روح الموصل».
والموصل هي إحدى أقدم المدن في العالم، وكانت لآلاف السنين نقطة عبور استراتيجية، وجسراً يصل الشمال بالجنوب والشرق بالغرب، ونظراً إلى موقعها الاستراتيجي، أصبحت مقراً لعدد كبير من الأشخاص المنحدرين من خلفيات وإثنيات وأديان ومعتقدات دينية متنوعة، غير أن هذا الموقع الفريد جعلها هدفاً لتنظيم «داعش»، حيث سيطر التنظيم عليها وجعل منها مقراً له قبل هزيمته. وأضاف سامر لـ«الاتحاد»، أنا مسلم وأعمل حالياً، ضمن المشروع، في ترميم إحدى الكنائس التاريخية، وجدت مدمرة بعد خروج تنظيم «داعش» الإرهابي من الموصل.
ويرى أن التعايش والسلام يظهر في أبهى صورة بين المسلمين والمسيحيين والطوائف الأخرى، وهم يعيدون بناء مدينتهم، والتي وصل الإعمار فيها إلى نسب عالية جداً.
وعلى مسافة 5 كيلومترات، تتعاون دولة الإمارات مع منظمة «اليونسكو» لإعادة بناء معالم تاريخية، بينها جامع النوري الكبير والمنارة الحدباء في مدينة الموصل ضمن مبادرة «إحياء روح الموصل». ويقام مشروع «إحياء روح الموصل» في مدينة الموصل، التي حاول الإرهاب محوها من خريطة المدن التاريخية، التي تعد من أقدمها، والتي سيطر عليها تنظيم «داعش» الإرهابي عام 2014، قبل طرده منها إثر معارك ضارية عام 2017.
أمين الفنش، قائم مقام مدينة الموصل، يثني في حديثه لـ«الاتحاد» على دور الإمارات ومنظمة «اليونسكو»، في إعادة إعمار المنطقة، لاسيما جامع النوري وما حوله من معالم وبنايات تاريخية تعود لمئات وبعضها لآلاف السنين.
ويشير الفنش إلى أن عمليات الإعمار في مدينة الموصل بجانبيها القديم والجديد، تسير على قدم وساق، مشيراً إلى أن العمل على «المجسرات» الرابطة بين الشوارع في مراحله الأخيرة، وأكد إنجاز 80 في المئة من العمل حتى الآن.
وأضاف الفنش: المدينة تتعافى بعد أن دمرت تماماً على مدى ثلاثة أعوام من احتلال تنظيم «داعش» الإرهابي لها. ويقول سامر، مرمم الآثار: الإمارات أول دولة في العالم تساعد العراق في إعادة بناء الكنائس التاريخية في مدينة الموصل، معتبراً ذلك إيماناً واضحاً منها بالتسامح وضرورة التعايش، ومن أجل بناء الإنسان وفق قيم السلام.
ويؤكد مرمم الآثار أن عملاً جباراً تقوم به «اليونسكو» بدعم من الإمارات، لافتاً إلى اكتشافات يعود تاريخها إلى الحقبة «الأتابكية» الإسلامية. وأضاف: «نعمل لإظهار الكنوز الإسلامية أيضاً، لتكون شاهداً على عظمة هذه المدينة التاريخية التي أراد الإرهاب محوها».
ويقول إن من أهداف مشروع «إحياء روح الموصل» هو التواصل مع أهالي المدينة باعتبارهم نواة أي إعمار، ومساعدتهم على تخطي محنة الإرهاب التي مروا بها.
من جانبه، قال المستشار الإعلامي لدى منظمة «اليونسكو» في الموصل، علاء محمد لـ«الاتحاد»، إنه «في الـ21 من الشهر الحالي ستوثق عدسات الإعلام جولة مهمة في مسجد النوري، ومئذنته الحدباء وكنيسة، الساعة، ومدرسة الإخلاص والمنازل السكنية التاريخية حولها»، باعتبارها أهم المناطق التي يتم العمل عليها ضمن مبادرة «إحياء روح الموصل»، بدعم إماراتي. وأوضح محمد إن عمل منظمة «اليونسكو» في العراق شمل أنشطة كثيرة، لافتاً إلى أن الدعم الإماراتي لعمل المنظمة في الموصل، بصورة خاصة، أعاد الحياة والنشاطات الفكرية والثقافية، وهو ما جعل أهالي الموصل يفخرون بما تحقق حتى الآن، آملين في أن تصبح مدينتهم في أبهى صورها. ويؤكد قائم مقام المدينة، أن معالم الإعمار باتت واضحة جداً، وأن الأشهر المقبلة ستشهد نمواً معمارياً كبيراً.