أحمد شعبان (القاهرة)
في حكم قضائي نهائي وبات، أصدرت المحكمة الإدارية العليا في مصر برئاسة الدكتور محمد عبدالوهاب خفاجي نائب رئيس مجلس الدولة، بحظر الإفتاء من الجهلاء أو المضللين أو غير المتخصصين أو دعاة الإرهاب، ودعت المحكمة المشرع لتنظيم الإفتاء الديني، حفاظاً على الثوابت.
وأكدت المحكمة أن هذا الحكم يأتي في وقت تواجه فيه مصر والمجتمعات العربية، ظاهرة خطيرة بانتشار المنابر الإعلامية والمواقع الدينية والدعاة غير المتخصصين، واستخدامها لوضع مفاهيم متطرفة تخالف ثوابت الدين أو مقاصد الشرع الحنيف، فتثير الفتنة في المجتمعات.
وأشارت المحكمة إلى عدم وجود تجريم عقابي على من يسيء استخدام المنابر الإعلامية في الإفتاء الديني لتحقيق أهداف تخالف ثوابت الدين، أو سياسية تخالف النظام العام أو حزبية تخالف تقاليد المجتمع وقيمه، مما يلقى بآثار خطيرة على الشباب وفى توجيه الفكر الديني من الاستقامة والوسطية إلى التشدد والتطرف والفتنة والبلبلة في الوسط الديني، والمساس بعقائد البشر.
وقالت المحكمة، إنه يتعين قصر الإفتاء على المؤسسات الدينية للدولة المؤهلة بحكم ولايتها وخبرتها وتخصصها، فلا يجوز الإفتاء بغير شروط، وشروط الإفتاء ليست بالأمر اليسير في الفقه الإسلامي حتى يمارسه العوام، وإنما هو أمر بالغ الدقة والصعوبة يستفرغ فيه المجتهد وسعه لتحصيل حكم شرعي يقتدر به على استخراج الأحكام الشرعية من مآخذها واستنباطها من أدلتها.
واشترطت المحكمة في المجتهد شروطاً للصحة أهمها: أن يكون عارفاً بكتاب الله ومعاني الآيات والعلم بمفرداتها، وفهم قواعد اللغة العربية، وكيفية دلالة الألفاظ وحكم خواص اللفظ من عموم وخصوص وحقيقة ومجاز وإطلاق ومعرفة أصول الفقه، كالعام والخاص والمطلق والمقيد والنص والظاهر والمجمل والمبين والمنطوق والمفهوم والمحكم والمتشابه، مؤكدةً أنها مسائل دقيقة للغاية تغم على عموم الناس من أدعياء الدين طالبي الشهرة ومثيري الفتنة وجامعي الأموال والدين منهم براء، وهى في الحق تستلزم التأهيل في علوم الدين.
وأوضحت المحكمة أنها تناشد المشرع بضرورة تجريم الإفتاء، سواء من الجهلاء أو المضللين أو دعاة الإرهاب من غير أهله المتخصصين بالمؤسسات الدينية التابعة للدولة التي تخاطب كل مسلم في العالم وليس مصر فحسب، ومناشدته كذلك بصدد قانون ممارسة الخطابة بتجريم استخدام المنابر ضد ثوابت الدين أو لتحقيق أهداف سياسية أو حزبية أو للدعاية الانتخابية.
وأشارت المحكمة إلى أن المشرع لم يضع تعريفاً للمجتهد الشرعي، كما أن هناك فراغاً تشريعياً وليس شرعياً بشأن إيجاد تنظيم تشريعي متكامل لعملية الإفتاء في المجتمع المصري وهو ما يسبب مشكلات جمة، فمن يتصدى للفتوى من غير المتخصصين أو ممن ينقصهم إتقان التخصص فإنه ليس بأهل للفتوى ولا يجوز له ذلك.
وذكرت المحكمة أنه تأسياً بمسلك كبار الفقهاء الأوائل الذين أسسوا مدارس فقهية لها مناهجها العلمية فكانوا يتحرجون من الفتوى على عكس الأمر الحاصل الآن من تجرؤ غير المتخصصين على الإفتاء الذين يجب عليهم الابتعاد عن دائرة الاجتهاد، حتى لا يصعب الأمر على المتلقي في اختيار من يتلقى منه الفتاوى، ويجب أن يقتصر الإفتاء على العلماء الثقات الذين يجيدون الغوص في بحر الاجتهاد القادرين على استنباط الحكم الشرعي المؤسس على فقه سليم.
وشددت على أن المسائل الخلافية التي تتعدد فيها آراء العلماء لا يجوز أن ينفرد بالإفتاء فيها فقيه واحد، فيكون الاجتهاد الجماعي هو السبيل الوحيد للإفتاء فيها للعامة لترجيح واختيار الفتوى الأصوب والأرجح، فليس كل ما يعلم بين العلماء المتخصصين يقال للعامة وإلا أحدثوا فتنة، وأثاروا بلبلة وعدم استقرار في المجتمع الديني.
واختتمت المحكمة أنه نتيجة لإقدام غير المتخصصين من أهل العلم والفتيا على إصدار الفتاوى غير المسندة التي يبثونها عبر منابر العالم الإعلامي والافتراضي في وسائل التواصل الاجتماعي كافة وقنواتهم الخاصة أو عبر بعض المساجد والزوايا، ترتب آثاراً خطيرة سيئة على الأجيال الحالية واللاحقة لما تتضمنه من الإخبار عن حكم الله في مسألة ما، فيحرفون مقاصد الإسلام السمحة، مما يصيب المجتمع من خلل وتفكك واضطراب وفوضى.