أسماء الحسيني، وكالات (القاهرة، الخرطوم)
دافع قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان، اليوم الثلاثاء، عن سيطرة القوات المسلحة على السلطة، قائلاً «إنه أطاح حكومة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك لتجنب حرب أهلية». في وقت أكدت فيه مصادر في مكتب حمدوك وأخرى أمنية أن رئيس الوزراء المقال عاد إلى منزله في الخرطوم، وتم اتخاذ إجراءات أمنية مشددة حول المنزل، لكن المصادر رفضت الرد على سؤال عما إذا كان ذلك يعني الإفراج عنه أم وضعه تحت الإقامة الجبرية.
وعاد المتظاهرون إلى الشوارع، للاحتجاج على استيلاء الجيش على السلطة بعد يوم من اشتباكات دموية أسفرت عن سقوط 4 قتلى وأكثر من 80 جريحاً. وأطلقت قوات الأمن مساء غازات مسيلة للدموع لتفريق متظاهرين كانوا يغلقون شارعاً رئيسياً في منطقة بري بشرق الخرطوم. في وقت دعا فيه تحالف قوى الحرية والتغيير إلى اتباع شتى أشكال التصعيد الثوري السلمي، مثل المواكب المستمرة وإغلاق الشوارع والعصيان المدني الشامل، لإفشال سيطرة الجيش على السلطة، وقال إن الترتيبات تجري لفعاليات تصعيدية كبرى وملء الشوارع بالسودانيين في حشود غير مسبوقة.
وقال البرهان، في مؤتمر صحفي «إن الجيش لم يكن أمامه سوى إبعاد السياسيين الذين يحرضون على القوات المسلحة، وأضاف «المخاطر التي شهدناها في الأسبوع الماضي كان من الممكن أن تقود البلاد إلى حرب أهلية»، وأضاف أن حمدوك الذي أوقف الاثنين مع عدد من أعضاء الحكومة لم يصبه أذى، وقال «حمدوك ضيف في منزلي وليس معتقلاً، وسيعود لبيته بعد هدوء الأمور.. حمدوك في منزلي لحمايته من قيود فرضتها عليه قوى سياسية».
وأوضح البرهان أن ما قام به الجيش لا يُعد انقلاباً في الوقت الذي يقوم فيه بتصحيح عملية الانتقال السياسي. واعترف بقيام سلطات الأمن بتوقيف بعض السياسيين والوزراء، وقال «صحيح اعتقلنا البعض وليس كل السياسيين أو كل الوزراء، ولكن كل من نشك في أن وجوده له تأثير على الأمن الوطني»، لكنه قال «تعهدنا للمجتمع الدولي بأننا سنقوم بحماية عملية الانتقال في السودان.. الحكومة المقبلة ستكون حكومة كفاءات، لن تشارك فيها قوى سياسية... ما جرى ليس انقلاباً».
وأشار إلى أن مجلس السيادة سيكون كما هو في الوثيقة الدستورية ولكن بتمثيل حقيقي من أقاليم السودان وتعيين رئيس وزراء جديد للوزراء، واختيار وزير من كل ولاية في الحكومة المقبلة، لتمثيل كل أهل السودان. وأضاف «سنحرص أن يكون المجلس التشريعي السوداني من شباب الثورة، وسنشكل هياكل العدالة من بينها المحكمة الدستورية هذا الأسبوع، وأن القوات المسلحة ستنجز المرحلة الانتقالية بمشاركة مدنية».
وشهدت الخرطوم وأم درمان على الضفة المقابلة من النيل إغلاقا جزئياً، وتصاعدت أعمدة الدخان من الأماكن التي أشعل فيها محتجون النار في إطارات السيارات، وحملوا الأعلام السودانية وهتفوا «لا لحكم العسكر» و«ثوار أحرار سنكمل المشوار». ووجهت دعوات للإضراب العام عبر مكبرات الصوت في المساجد، بينما أغلق جنود أو حواجز أقامها محتجون الشوارع والجسور. وخلت شوارع وسط الخرطوم والمناطق التجارية مع إغلاق كل المتاجر والأسواق والمكاتب في وسط المدينة. فيما انتشر المتظاهرون وأفراد الأمن بكثافة حول القصر الرئاسي ووزارة الدفاع.
وأظهرت صور على مواقع التواصل الاجتماعي احتجاجات في مدن عطبرة ودنقلا والأبيض وبورتسودان. وردد المشاركون فيها هتافات تطالب السودانيين بعدم مساندة الجيش وتقول لهم إنه لن يحميهم. وقال مسؤول بوزارة الصحة، إن 7 أشخاص قتلوا في اشتباكات بين المحتجين وقوات الأمن، لكن مصادر أخرى تحدثت عن سقوط 4 قتلى وأكثر من 80 جريحاً. وأغلقت البنوك وتوقفت آلات الصرف الآلي عن العمل وتطبيقات الهواتف المحمولة المستخدمة على نطاق واسع في تحويل الأموال. وانقطع الإنترنت بشكل واسع عن البلاد.
ووصف تجمّع المهنيين السودانيين الاعتقالات بأنها «انقلاب»، ودعا في بيان على «تويتر»، إلى «المقاومة الشرسة للانقلاب». وقال «لن يحكمنا العسكر والميليشيات. الثورة ثورة شعب.. السلطة والثروة كلها للشعب». كما، دعت نقابة الأطباء ونقابة المصارف إلى عصيان مدني. وقال تحالف «قوى الحرية والتغيير»، إن الترتيبات تجري لفعاليات تصعيدية كبرى وملئ الشوارع بالسودانيين في حشود غير مسبوقة. فيما أصدر البرهان قراراً بحل اللجان التسييرية للنقابات والاتحادات المهنية.
وكانت صفحة مكتب حمدوك على «فيسبوك»، قالت إنه لا بديل إلا الشوارع والمواكب والإضرابات والعصيان حتى تعود مكتسبات الثورة السودانية. وأضافت أن رئيس الوزراء هو السلطة التنفيذية المعترف بها من الشعب السوداني والعالم. وقالت «كلمات رأس الانقلاب وإجراءاته لا تعدو أن تكون إلا مجرد تلاوة لإملاءات تأتي من خطوط داخلية وخارجية ولا علاقة لها بالجيش السوداني أو مصلحة الوطن».
وقالت صفحة وزارة الإعلام السودانية على «فيسبوك»، إن حكومة حمدوك مازالت هي السلطة الانتقالية الشرعية، وأضافت أن الوثيقة الدستورية تضع حق إعلان حالة الطوارئ تحت سلطات رئيس الوزراء الانتقالي، وأن إجراءات المكون العسكري، إنما هي جريمة تحاسب عليها القوانين السارية. وأبدت ترحيبها بالمواقف الصادرة من المنظمات الدولية والإقليمية، مثل الأمين العام للأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي، وجامعة الدول العربية.