أبوظبي (الاتحاد)
في الحادي عشر من سبتمبر عام 2001، ضربت اعتداءات غير متوقعة الولايات المتحدة، فغرقت ومعها العالم في حرب على الإرهاب طغت على العلاقات الدولية مدة عشرين عاماً، قالبة على المدى الطويل موازين القوى.
وتحيي الولايات المتحدة اليوم ذكرى هجمات 11 سبتمبر، فيما تكتسي أهمية كبيرة، حيث وضع الرئيس الأميركي جو بايدن نهاية للحرب في أفغانستان التي شنتها الولايات المتحدة عام 2001، رداً على الاعتداءات التي نفذها تنظيم «القاعدة»، وطبعت مطلع القرن الحادي والعشرين.
وتحل الذكرى العشرون لهذه الاعتداءات فيما ألم الناجين وعائلات الضحايا والشهود لا يزال كبيراً جداً، لكن مع مرور عقدين من الزمن وجيل كامل، دخلت هذه المأساة التاريخ، إذ أن الأميركيين الشباب في 2021 لا يملكون إلا ذكرى مجتزأة عنها على ما يفيد خبراء.
ويقول إيلي تينيباوم، الذي شارك في تأليف كتاب مكرس لهذه الحرب: «نصل اليوم إلى نهاية هذه الجولة الاستراتيجية، ونطوي صفحة كان فيها الإرهاب العالمي العدو المعلن الوحيد».
ويرى هذا الباحث في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية أن المنافسة الاستراتيجية بين القوى الكبرى، لاسيما الولايات المتحدة والصين وروسيا، عادت لتصبح النموذج العالمي مع بروز رهانات دولية أخرى تخفف نسبياً من التهديد الإرهابي.
وتركت الولايات المتحدة، التي قضى 2500 من عسكرييها وأنفقت نحو ألفي مليار دولار في أفغانستان، هذا البلد لحركة «طالبان»، التي طردتها من الحكم قبل 20 عاماً، متهمة إياها بإيواء أسامة بن لادن زعيم تنظيم «القاعدة»، الذي قتلته لاحقاً في مايو 2011 في باكستان.
وقد ألحق اعتداء 26 أغسطس الذي أعلن تنظيم «داعش -ولاية خراسان» مسؤوليته عنه وأسفر عن سقوط 13 عسكرياً أميركياً قرب مطار كابول في خضم عمليات الإجلاء، صدمة في نفوس الرأي العام الأميركي. وكان غالبية العسكريين من الشباب الذين ولدوا بعد اندلاع النزاع في أفغانستان.
وذكر مقتلهم بأن الولايات المتحدة باتت عند نقطة تحول مفصلية بين عشرات ملايين الأميركيين الذين يحتفظون بذكرى فعلية مؤلمة للاعتداءات، وجيل الشباب الذي لديه ذكرى تاريخية ومؤسساتية إذ لم يعاصروا هجمات 11 سبتمبر، بل يتناولونها ضمن الإطار العائلي أو المدرسي أو عبر سائل الإعلام.
حقبة جديدة
وللتأكيد أن هذه الحقبة انتهت، حرص جو بايدن على أن يتزامن الانسحاب الأميركي الكامل من أفغانستان، بشكل رمزي مع الذكرى العشرين لهجمات 11 سبتمبر 2001، إذ أن الجيش الأميركي تدخل في هذا البلد غداة الاعتداءات على برجي مركز التجارة العالمي ووزارة الدفاع لمطاردة تنظيم «القاعدة»، الذي نفذها، وطرد حركة طالبان من السلطة، بعدما وفرت ملاذاً لأولئك الإرهابيين.
ويقول مارك غرين، الذي كان مسؤولاً جمهورياً عند وقوع الهجمات، وهو مدير معهد الأبحاث «ويلسون سنتر»: راهناً قد نكون وصلنا إلى نهاية حقبة، إلا أن هذه المنطقة من العالم مرشحة مجدداً لاستقبال «متطرفين عنيفين جداً».
ولأسباب أخرى لا تقتصر على مكافحة الإرهاب، يصب جون بولتون السفير الأميركي السابق لدى الأمم المتحدة جام غضبه على رؤساء الولايات المتحدة المتعاقبين، وهم الديموقراطيان باراك أوباما وجو بايدن فضلاً عن الجمهوري دونالد ترامب الذي كان لفترة وجيزة مستشاره للأمن القومي. وهو يعتبر أنهم جميعاً تعجلوا في فك الارتباط مع أفغانستان لاستمالة رأي عام مل من «حروب الولايات المتحدة التي لا تنتهي».
ويؤكد بولتون، والذي يدافع عن تدخل الولايات المتحدة في الخارج منذ سنوات، «عشرون عاماً هي نقطة في محيط!».
وراهن دونالد ترامب، الذي كان أول من قرر الانسحاب ومن ثم جو بايدن فضلاً عن جزء كبير من الطبقة السياسية الأميركية، على أن قيام نظام متشدد في كابول مجدداً ليس تهديداً حيوياً للولايات المتحدة، في حين أن البقاء في أفغانستان يكبد كلفة سياسية أكبر من الرحيل.
إرث مثير للجدل
ويجدد تغير الوضع المباغت في أفغانستان بعد سيطرة حركة طالبان، النقاش حول الإرث المثير للجدل الذي تركه الأميركيون على بعد آلاف الكيلومترات من ديارهم.
وكان الرئيس الأميركي جورج بوش أطلق مساء 11 سبتمبر العبارة الشهيرة: «الحرب على الإرهاب».
وكان يومها حظي بإجماع المجتمع الدولي، فمع سقوط نحو ثلاثة آلاف قتيل على الأراضي الأميركية تعرضت الولايات المتحدة لضربة في الصميم، بطريقة غير مسبوقة، منذ هجوم بيرل هاربور عام 1941 وكان يفترض بها الرد.
ونقل العام 2001 العالم إلى الألفية الجديدة بعد عقد التسعينيات الذي اكتسبت فيه الولايات المتحدة لقب القوة العظمى الرئيسة.
وطرح بوش تعريفاً فضفاضاً «للحرب على الإرهاب»، محاطاً بمحافظين ومؤيدين للتدخلات الخارجية عازمين على نشر النموذج الديمقراطي في العالم، وأعلن «حملة طويلة غير مسبوقة على كل الأنظمة الداعمة للإرهاب».
لكن بحسب إيلي تينيباوم، تلاشى الإجماع سريعاً جداً وراحت صورة الولايات المتحدة تتراجع مع انحراف الحرب على الإرهاب عن مسارها. فالغزو الأميركي للعراق عام 2003 أثار استياء عارماً لدى جزء كبير من الرأي العام العالمي، وسمح بعودة الحركة الإرهابية العالمية التي كانت أضعفت بعد 2001، وبرز جيل جديد من المتطرفين يضم شباباً من منطقة الشرق الأوسط، فضلاً عن غربيين أتوا لمواجهة «قوى الاحتلال» بعد سقوط صدام حسين.
وبعد عشر سنوات على ذلك ترك انسحاب الأميركيين فراغاً سمح بظهور تنظيم «داعش» وإعلانه «دولته» المزعومة في مناطق عراقية سورية. واضطرت الولايات المتحدة إلى العودة اعتباراً من 2014 على رأس تحالف عسكري دولي.
إلا أن حصيلة الحرب على الإرهاب أتت متفاوتة. فقد قضى فيها أكثر من 800 ألف شخص مع دفع المدنيين العراقيين والأفغان الثمن باهظاً.
وربما لا تكون تكررت هجمات شبيهة بـ11 سبتمبر، إلا أن اعتداءات لافتة لتنظيم «داعش» أدمت أوروبا كما حصل في باريس عام 2015 فيما التهديد الإرهابي متواصل مع أنه أقل تركزاً. فعدد المتطرفين في العالم اليوم أكثر بثلاث مرات عن عددهم في 2001 بحسب تقديرات عرضها إيلي تينيباوم.
وتقول مرسين الشمري خبيرة شؤون الشرق الأوسط في بغداد، والباحثة في كلية هارفرد كينيدي: إن «اعتداءات 11 سبتمبر تسببت بحربين وغيرت إلى الأبد موازين القوى في المنطقة»، في إشارة إلى حربي أفغانستان والعراق.
بلينكن: اخترنا الدبلوماسية لجعل العالم أكثر أمناً وسلاماً
أكد وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، أمس، أن هجمات 11 سبتمبر غيّرت في سياسات البلاد، مضيفاً، في كلمة خلال فعالية لتأبين ضحايا هجمات 11 سبتمبر: «اخترنا الدبلوماسية لجعل العالم أكثر أمناً وسلاماً».
وكان الأميركيون استفاقوا، صباح الثلاثاء الموافق 11 سبتمبر 2001، على اعتداءات جوية تمت بعد اختطاف مجموعة تابعة للقاعدة عدداً من الرحلات الداخلية.
وشكلت الهجمات صدمة غير مسبوقة، هزّت الولايات المتحدة والعالم، وأودت بأرواح المئات من الأبرياء.
ومن المرتقب أن يزور الرئيس الأميركي جو بايدن وزوجته جيل اليوم، النصب المهيب الذي أقيم في موقع البرجين التوأمين لمركز التجارة العالمي اللذين انهارا في الهجمات في نيويورك. وعلى جري العادة كل سنة، ستتلى على مدى ثلاث ساعات أسماء نحو ثلاثة آلاف شخص قضوا في هذه الهجمات. ونصبت أنوار عمودية، الأسبوع الماضي، في حوضين أسودين ضخمين حلا مكان قاعدة البرجين.
ويتوجه بايدن وزوجته أيضاً إلى بنسيلفانيا، حيث تحطمت طائرة خطفها أربعة من الإرهابيين التسعة عشر وإلى ضاحية واشنطن، حيث هوجم مقر وزارة الدفاع أيضاً. ولن يلقي بايدن أي كلمة طوال اليوم، بل سيُبث مقطع مصور، حسبما أفاد البيت الأبيض.
بورصة نيويورك تقف دقيقة صمت
وقف العاملون في بورصة نيويورك دقيقة صمت، أمس، في آخر يوم تداول قبيل الذكرى العشرين لهجمات 11 سبتمبر عندما اصطدمت طائرتان ببرجي مركز التجارة العالمي في نيويورك.
ووقف العاملون دقيقة الصمت في الساعة 09:03 صباحاً، 14:03 بتوقيت جرينتش، وهو وقت اصطدام الطائرة الثانية بالبرج الجنوبي في 2001. وقُتل أكثر من 2600 في مركز التجارة العالمي، إضافة إلى 125 في وزارة الدفاع، و265 كانوا على متن الطائرات الأربع التي استخدمت في الهجمات. كما عُزف النشيد الوطني الأميركي في مبنى البورصة. وشارك في هذه المراسم المتعاملون في البورصة وأفراد أسر ضحايا الهجمات.