أحمد مراد (القاهرة)
بعد 16 عاماً من تصدرها المشهد السياسي في ألمانيا، من المقرر أن تتنحى المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، في أعقاب الانتخابات التشريعية التي تُجرى في السادس والعشرين من سبتمبر الجاري، ومرشح لخلافتها في منصب المستشارية ثلاثة من أبرز السياسيين الألمان، هم: مرشح حزب المحافظين، أرمين لاشيت، ومرشح الحزب الاشتراكي الديمقراطي، أولاف شولتز، ومرشحة حزب الخضر، أنالينا بيربوك.
أرمين لاشيت.. ابن عامل المناجم
يُوصف السياسي الألماني، أرمين لا شيت، في الدوائر الألمانية بأنه مرشح أنجيلا ميركل المفضل، بينما يصف نفسه بأنه «أوروبي بشغف»، ومرشح الاستمرارية، وتم اختياره في العشرين من أبريل الماضي مرشحاً للحزب المسيحي الديمقراطي، المعروف بـ «حزب المحافظين» لمنصب المستشار في الانتخابات المقبلة، وسبق أن تم انتخابه رئيساً للحزب في جولة الإعادة ضد المرشح المحافظ، فريدريش ميرز، بأغلبية 521 صوتاً مقابل 466 لمنافسه، وفي خطاب الفوز تعهد بعمل كل شيء حتى يؤدي الحزب بشكل جيد في الانتخابات المقبلة، والاحتفاظ بمنصب المستشارية.
أرمين لاشيت المولود في 18 فبراير عام 1961 بمدينة آخن في غرب ألمانيا، معروف عنه أنه مدافع قوي عن التعددية الثقافية، ويشتهر بسياسته الليبرالية، والقدرة على التواصل مع مجتمعات المهاجرين، وهو من أشد المعجبين بملك الفرنجة، شارلمان، الذي يعود إليه الفضل في توحيد أوروبا، واتخذ من مدينة آخن مقراً لإمبراطوريته، وفي أكثر من مرة تحدث بعض أفراد أسرته عن كونه واحداً من أحفاد شارلمان.
ودرس لاشيت القانون والعلوم السياسية في مدينتي ميونيخ وبون، ويتحدث الفرنسية بطلاقة، وعمل بعد تخرجه لفترة وجيزة كصحفي في محطات الإذاعة والتلفزيون البافارية، وكمحرر لصحيفة كاثوليكية، بعدها اتجه إلى عالم السياسة، واُنتخب عضواً في البرلمان الفيدرالي الألماني «البوندستاغ» في الفترة بين عامي 1994 و1998، وبعدها حصل على عضوية البرلمان الأوروبي في الفترة من عام 1999 وحتى 2005، وفي عام 2010 عمل في برلمان ولاية شمال الراين وستفاليا، وفي عام 2012 أصبح رئيساً لحزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي في ولاية شمال الراين- وستفاليا، وفي يونيو من عام 2017 أصبح رئيساً لوزراء الولاية، وشكل حكومة ائتلافية مع الديمقراطيين الأحرار «الإف دي بي».
وأرمين لا شيت أب لثلاثة أبناء، وزوجته تنتمي إلى منطقة والونيا الناطقة بالفرنسية، والتقى بها وهي تغني في جوقة الكنيسة، وكثيراً ما يحاول إظهار نفسه في صورة «رجل الشارع البسيط» المولود في أسرة كان يعولها أب يعمل في المناجم، وتحدث في بعض المرات عن كيف كان والده يؤمن نفقات أسرته من خلاله عمله في المناجم، وقال في إحدى المرات لأعضاء حزبه: «عندما تكون في المنجم، لا يهم من أين يأتي زميلك أو ما هي ديانته أو كيف يبدو. المهم هو: هل يمكنك الاعتماد عليه؟». عُرف لاشيت بلقب «القصير المرح»، وشوهد في مرات عديدة وهو يشارك بحماس في احتفالات الكرنفالات التقليدية، في الوقت نفسه يُوصف بأنه كاثوليكي متدين، وارتبط بعلاقة تعاون مع المستشارة الألمانية، ميركل، التي كانت تعتمد عليه كنائب لها عندما كانت رئيسة الحزب حتى عام 2018، وكان أحد أبرز الداعمين لها في أزمة اللاجئين خلال عام 2015، ولخص نهجه السياسي المتوازن في مقولته: «إنني مع النهج المتوازن، وتجنب التطرف، وهذا موقف سياسي يتجه نحو الناس، ولا يدير ظهره لهم، ويحافظ على التماسك المجتمعي». ويتبنى لاشيت سياسة خارجية تنتهج مبدأ التركيز الواضح على الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن التوجه عبر المحيط الأطلسي للحزب، حيث يؤمن بأهمية الضغط في سبيل المزيد من التعاون مع الولايات المتحدة بشأن المناخ والسياسة التجارية، إضافة إلى دعوته للاتحاد الأوروبي إلى أن يكون أكثر قدرة على العمل وتعزيز الشراكة الفرنسية الألمانية.
وفي هذا الصدد، يُعرف لاشيت بحرصه على الاتصال الوثيق مع القيادة السياسية في باريس، وغالباً ما يزور العاصمة الفرنسية، وكان ممثل ألمانيا للعلاقات الثقافية الفرنسية الألمانية خلال الأعوام الماضية. أما توجهاته نحو روسيا والصين، فيصفه بعض المنتقدين بأنه غير حازم تجاه روسيا وفلاديمير بوتين، وصاحب موقف ناعم تجاه الصين، حيث يؤمن بأن ألمانيا، ووراءها التكتل الأوروبي بحاجة إلى روسيا والصين في العديد من القضايا في العالم.
أولاف شولتز.. الوزير الناجح
في أغسطس 2020، اختار الحزب الاشتراكي الديمقراطي، الشريك في الائتلاف الحاكم في ألمانيا، وزير المالية، أولاف شولتز، مرشحاً له لخلافة المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، في منصب المستشار، وذلك على خلفية نجاحه في إدارة البلاد خلال أزمة «كورونا»، وبالأخص خلال الفترة التي خضعت فيها ميركل لعزل ذاتي نتيجة إصابتها بـ «كورونا»، وتولى هو اجتماعات مجلس الوزراء، ولعب دوراً بارزاً ومهماً في التمويل الذي قدمه الاتحاد الأوروبي بقيمة 750 مليار دولار للتعافي من أزمة الوباء، والذي أقر بعد مفاوضات شاقة قادها شولتز، الأمر الذي أكسبه شعبية وتأييداً من قبل الكثير من الناخبين. وشولتز ولد في مدينة أوسنابروك الألمانية خلال عام 1958، ونشأ في مدينة هامبورج، وحصل على شهادة القانون من جامعة هامبورج، وبعدها اتجه إلى السياسة، حيث انضم إلى الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني في عام 1975، وانتُخب عضواً في البرلمان الفيدرالي الألماني في عام 1998، وتدرج في العمل السياسي حتى أصبح وزيراً اتحادياً للعمل والشؤون الاجتماعية خلال عام 2007، واستمر في المنصب حتى عام 2009، بعدها عُين نائباً لرئيس الحزب الديمقراطي الاشتراكي، وشغل منصب عمدة هامبورج في الفترة من عام 2011 وحتى عام 2018، ويشغل الآن منصب وزير المالية ونائب مستشار ألمانيا منذ مارس عام 2018.
أنالينا بيربوك.. ضحية خراطيم المياه
في الحادي والعشرين من أبريل الماضي، وفي سابقة هي الأولى من نوعها، اختار حزب الخضر الألماني الذي تأسس منذ 40 عاماً، أنالينا بيربوك، صاحبة الأربعين عاماً، مرشحة له لمنصب المستشارية، خلفاً لأنجيلا ميركل، وتُعد هذه السابقة المرة الأولى التي يلعب فيها الحزب دوراً مركزياً في الانتخابات العامة المقررة في 26 من سبتمبر الجاري.
وبحسب بعض التوقعات والتحليلات، فقد ينتهي الأمر بأن يكون حزب الخضر الحزب الأكبر في الائتلاف الحكومي المقبل، وذلك وسط فوضى وصراعات الأحزاب المحافظة وخلافاتهم حول مرشحهم لخلافة ميركل. وأنالينا بيربوك المولودة بمدينة هانوفر في عام 1980، وهو العام نفسه الذي تأسس فيه حزب الخضر، معروفة بالطموح والشغف بالعمل السياسي، واُنتخبت عضوة في برلمان ولاية براندنبورغ من عام 2009 وحتى 2013، بعدها اُنتخبت عضوة في البرلمان الألماني الفيدرالي «البوندستاغ» منذ عام 2013، وفي الفترة من عام 2012 إلى عام 2015، كانت عضواً في المجلس الاستشاري لحزب الخضر الألماني، وفازت برئاسة الحزب في 27 يناير من عام 2018. أما طفولتها، فتصفها بأنها عبارة عن مزيج من خراطيم المياه المستخدمة في مواجهة الاحتجاجات وتناول الكاتو في المنزل لاحقاً، حيث كان والداها يصطحبانها إلى المظاهرات المناهضة للطاقة النووية. كما عُرفت بالشغف الرياضي، حيث كانت في فترة المراهقة رياضية محترفة، وقد احتلت المركز الثالث في بطولة ألمانيا للقفز على الترامبولين. وكانت بيربوك وهي زوجة وأم لابنتين قد درست القانون العام في هانوفر، وتخرجت في كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية في القانون الدولي، وهي تتحدث الإنجليزية بطلاقة. وتؤيد بيربوك إنهاء توليد الطاقة التي تعمل بالفحم في ألمانيا قبل عام 2038، وهو الموعد المحدد الذي حددته الحكومة الألمانية الحالية، فضلاً عن تأييدها تحديد الحد الأقصى للسرعة على الطرق السريعة عند 130 كيلومتراً في الساعة، وتعارض الإنفاق الألماني العالي للتسلح.