أبوظبي (الاتحاد)
طالبان لم تشن فقط هجوماً كاسحاً للوصول إلى كابول الأسبوع الماضي. بموازاة ذلك، شنت الحركة أيضاً ما يمكن اعتباره هجوماً إعلامياً واسعاً ومنظماً ليس عبر وسائل الإعلام الأفغانية فحسب، بل من خلال الميديا الغربية، باستهداف قلاعها الأساسية مثل «سي إن إن» و«بي بي سي» و«تويتر». ومن اليوم الأول لدخولهم كابول بدا واضحاً تماماً أن قادة الحركة يسعون لاستغلال التطور الهائل في الميديا الجديدة لنقل رسائلهم بأقصى سرعة لأكبر عدد من البشر عبر العالم... تماماً مثلما فعلت الولايات المتحدة عبر التلفزيون عندما أسقطت طالبان قبل عشرين عاماً وسط تغطية إعلامية حيّة كانت تبث كل تفاصيل الحرب على الهواء مباشرة، خاصة عن طريق شبكة سي إن إن.. عندما لم يكن هناك وجود لـ تويتر وأخواتها.
المفارقة، أن هذه المرة تقوم «سي إن إن» بالدور معكوساً. ففي اليوم الأول لسقوط كابول في أيدي طالبان، ظهرت كلاريسا وورد مراسلة الشبكة العالمية مرتدية الحجاب، وهي تحاول نقل ما يحدث في الشارع للمشاهدين، بموافقة من قادة ومسلحي طالبان. فالجميع بدا مرحباً وودوداً أثناء قيامها بتغطية التطورات في شوارع العاصمة الأفغانية. هي نفسها كانت تبدو مذهولة، وهي تتحدث بأريحية تامة وسط المسلحين الذي كانوا يلوحون ويبتسمون للكاميرا، ويتجاوبون مع أسئلتها بثقة واتزان، حتى إنها اعتبرت بأن كل ما يحيط بها «غريب» في محاولة لوصف الهدوء الاستثنائي الذي ساد كابول مع مواصلة المواطنين العاديين حياتهم بشكل طبيعي مع أول يوم تحت حكم طالبان.. باستثناء طبعاً ما كان يحدث في مطار كابول.
في الوقت نفسه، باغت سهيل شاهين المتحدث باسم طالبان مذيعة بي بي سي يالدا حكيم بالاتصال بها هاتفياً، أثناء بث مباشر يوم الأحد الماضي. كانت المذيعة الأسترالية (أفغانية الأصل) تقدّم تغطية حية للأحداث في أفغانستان عندما رن هاتفها المحمول، وكانت المفاجأة أن المتصل هو صوت من يمكن اعتباره وزير إعلام طالبان الشهير بسهيل شاهين، الذي وجد نفسه بدوره يخاطب الملايين، بعدما وضعت يلدا الهاتف على مكبر للصوت، ليسمع مشاهدو «بي بي سي»، والمجتمع الدولي كله رسائل طالبان للعالم.
كانت يالدا قد فرّت مع عائلتها من أفغانستان وهي في التاسعة من العمر، عبر الجبال بمساعدة مهربي البشر، حتى وصلوا إلى أستراليا، وحصلت على الجنسية، ثم عملت بهيئة الإذاعة البريطانية. من ثم كانت المكالمة بالنسبة لها هي تحديداً حدثاً استثنائياً على المستوى الشخصي.
وعبر هذه المكالمة المهمة التي استمرت 30 دقيقة بين الطرفين، سعت طالبان عبر شاهين الذي كان يتحدث بالإنجليزية إلى طمأنة الأفغان والعالم برسائل ودية، تعكس لهجة وتوجهات جديدة ستبقى محل نظر. طبعاً مثل الأمر يعد سبقاً صحفياً مهماً للمذيعة، لكنه يعتبر - بدرجة أكبر- نجاحاً مثيراً لحركة طالبان على الصعيد الإعلامي الدولي.
وهي خطوة تنم عن قدر من الدهاء. فالمتحدث باسم طالبان، لم يختر لبث تصريحاته شبكة عالمية مثل بي بي سي فحسب، بل تعمد أن يتم ذلك عبر مذيعة من أصل أفغاني، لضمان وصول فحوى الرسالة ومغزى الاتصال إلى من يهمه الأمر عبر العالم.
وقد أجرى شاهين أيضاً مقابلة مع قناة كان الإسرائيلية، طمأن فيها أيضاً الأقليات في أفغانستان من أن أحداً لن يتعرض لهم، أو يمسهم بسوء. ومع أنه عاد وأكد أنه لم يعرف هوية المراسل الصحفي الذي أجرى معه المقابلة، قائلاً عبر تويتر «لم أجر مقابلة مع أي شخص يقدّم نفسه بأنه من وسائل الإعلام الإسرائيلية»، إلا أنه أبدى في تغريداته قدراً من الاتزان والاعتدال.
كلهم إلا «تويتر».. أغلقوا الباب في وجه الحركة
رفضت «تويتر» أن تنضم إلى بقية منصات التواصل الاجتماعي في حظر وجود أي حسابات لعناصر طالبان. وقالت صحيفة ديلي ميل إن «تويتر» تتبنى هذا الموقف المتسامح من الحركة، في الوقت الذي مازالت تحظر فيه حساب الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، وسط انتقادات حادة من جانب أنصاره، خاصة في أوساط الحزب الجمهوري.
وكانت منصات فيسبوك، وواتساب وانستغرام، وتيك توك ويوتيوب قد حظرت أي حسابات ذات صلة بطالبان، أو تشجع أو تشيد بالحركة. وتتبنى فيسبوك تحديداً هذا الموقف منذ سنوات باعتبار طالبان «جماعة خطرة».
وأعرب النائب الجمهوري دوج لامبورن في رسالة إلى رئيس تويتر جاك دورسي عن قلقه من السماح لطالبان باستخدام المنصة. وقال إنه بمراجعة تلك الحسابات الخاصة بطالبان على المنصة لم يجد أي مراجعات للتأكد مما تتضمنه من بيانات أو حتى تحذيرات من محتوى زائف، أو مضلل. وأضاف «لماذا تسمح تويتر للمتحدثين باسم طالبان باستخدام المنصة فيما تفرض قيوداً على الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب»، معرباً عن قلقه من أن تستخدم طالبان المنصة لبث رسائلها.
وقالت «تويتر» إنها ستراقب محتوى تغريدات طالبان لضمان خلوها من أي رسائل تمجّد العنف. وأضافت في بيان أنها ستواصل فرض قواعدها ومراجعة المحتوى الذي ربما ينتهك تلك القواعد، خاصة السياسات الرافضة لتمجيد العنف، أو استغلال المنصة في التلاعب والترويج للدعاية.
وقالت ديلي ميل إن المنصة استخدمت نفس هذه المبررات لفرض حظر دائم على حساب ترامب بعد هجوم متظاهرين على مبنى الكونجرس في يناير الماضي.
وأضافت «تويتر» أنها لا تستطيع حظر الحسابات ذات الصلة بطالبان، لأن الناس في أفغانستان يستخدمون المنصة لطلب المساعدة. وأثارت هذه المعايير المزدوجة غضب ترامب وأنصاره والمحافظين في الولايات المتحدة.
ويوجد على تويتر حسابان للمتحدثين باسم طالبان سهيل شاهين وذبيح الله مجاهد، ولكل منهما أكثر من 351 ألف متابع و310 آلاف متابع على التوالي. والحسابان نشطان منذ سنوات.
وكتب ماديسون كاوثورن النائب الجمهوري عن كارولينا الشمالية «بأي منطق يوجد للمتحدث باسم طالبان حساب نشط على تويتر، بينما ترامب ممنوع من التغريد على المنصة.. في أيّ صف تقف شركات التكنولوجيا العملاقة التي تتخذ من أميركا مقراً لها؟!».