دينا محمود (لندن)
لا تبدو نهاية في الأفق للفراغ الحكومي في لبنان، حيث تصطبغ الأزمة في هذا البلد بطابع طائفي على نحو متزايد، ما يثير مخاوف من إمكانية تجدد الاقتتال الأهلي في أراضيه، خاصة في ظل اشتداد وتيرة الضائقة الاقتصادية والمالية.
فقد باتت الاحتجاجات وقطع الطرق وأعمال العنف والمشاجرات بين الزبائن في المراكز التجارية والصيدليات ومحطات الوقود مشهداً مألوفاً في الشارع اللبناني، بفعل الشح المتزايد في السلع الأساسية، وعلى رأسها الغذاء والدواء، إثر الانهيار الاقتصادي الذي يضرب البلاد منذ نحو عامين.
وفي الأسابيع القليلة الماضية، تواترت تقارير عن تولي ميليشيات بعينها حراسة بعض المنشآت التجارية ومحطات الوقود في المناطق الخاضعة لسيطرة مسلحيها، ما يعيد إلى الأذهان، ولو جزئياً، الوضع الذي ساد في فترة الحرب الأهلية، التي عصفت بلبنان بين عاميْ 1975 و1990.
وفي تصريحات نشرتها مجلة «سبكتاتور» البريطانية، اعتبر محللون غربيون أن إمكانية انزلاق لبنان من جديد، إلى ساحة المواجهات الطائفية المسلحة، يمثل أمراً يرتبط بتاريخه المأساوي، فضلاً عن التطورات المحتملة للأزمة الحالية، التي تتسم بخطورة تكفي لقرع أجراس الإنذار بالنسبة للغرب، الذي تنشغل حكوماته بتدبير الموارد اللازمة، لمواجهة التبعات الاقتصادية المدمرة، لاستمرار تفشي وباء كورونا للعام الثاني على التوالي.
وأبدى المحللون استغرابهم لغياب أي صورة من صور المحاسبة للمتسببين للأزمة الحالية في لبنان، سواء كانوا من الشخصيات السياسية أو المسؤولين عن المؤسسات المالية والاقتصادية، فبعد 18 شهراً من الانهيار، لم يُحاسب أحد، ولم يتنحَّ أحد عن منصبه، لا الساسة ولا حاكم مصرف لبنان، ولا من يتولون إدارة المصارف الخاصة.
ويبدو ذلك الأمر مخيباً بشدة لآمال اللبنانيين، الذين يعاني الجانب الأكبر منهم من انخفاض مطرد في الرواتب، في مواجهة أسعار ترتفع كل يوم تقريباً.
واستعرض المحللون الغربيون، بعض التقارير الدولية التي تجسد عمق الأزمة، ومن بينها تقرير صادر عن منظمة الأمم المتحدة للطفولة «اليونيسف»، أفاد بأن «30% من الأطفال اللبنانيين، أصبحوا لا يستطيعون تناول كل وجبات الطعام التي ينبغي لهم تناولها يوميا، ويذهبون إلى الفراش في كل ليلة وهم يعانون من الجوع، وذلك في وقت تشح فيه كميات الطعام المتوافرة، لدى أكثر من 75% من الأسر اللبنانية.
وبفعل التردي المتواصل في الأوضاع السياسية والاقتصادية والمعيشية على الساحة اللبنانية، صار الكثيرون يطرحون الآن تساؤلا مفاده «إلى متى يمكن لمؤسسات الدولة اللبنانية، وربما الدولة نفسها، البقاء؟ خاصة أن الأزمة وصلت إلى المؤسسة العسكرية، إلى حد دفع قائد الجيش العماد جوزيف عون، إلى مناشدة الدول العربية والأجنبية تقديم الدعم للعسكريين الذين هوت رواتبهم، جراء انهيار قيمة العملة المحلية، والزيادة الهائلة في معدلات التضخم».