بيروت (وكالات)
ناشدت حكومة لبنان، الغارق في أسوأ أزماته الاقتصادية، أمس، الأمم المتحدة إيجاد «وسائل بديلة» لتمويل المحكمة الدولية، المعروفة باسم «محكمة الحريري»، التي تنظر في جرائم اغتيال عدة شهدتها البلاد، بعد إعلانها أنها «تواجه أزمة مالية غير مسبوقة» ستمنعها من مواصلة عملها.
وجاءت مناشدة دياب، وهي أول تعليق رسمي بعد إعلان المحكمة، يوم الأربعاء الماضي، أنها «من دون تمويل فوري، لن تتمكن من مواصلة عملها بعد يوليو المقبل»، في وقت صنّف البنك الدولي أزمة لبنان الاقتصادية والمالية من بين أشدّ عشر أزمات منذ منتصف القرن التاسع العشر.
وينصّ نظام المحكمة، التي تأسّست بطلب لبناني، وبموجب قرار عن مجلس الأمن تحت الفصل السابع الملزم في مايو 2007، للنظر في جرائم اغتيال أبرزها اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري في 14 فبراير 2005، على أن يُساهم لبنان في تمويلها بنسبة 49 في المئة، فيما تؤمن الدول المانحة نسبة 51 في المئة المتبقية، بموجب مساهمات طوعية.
وأكد دياب في رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، التزام بلاده تجاه المحكمة، قائلاً: نعيد تأكيد التزامنا الثابت تجاه المحكمة، فإننا نؤمن إيماناً راسخاً بأن هذه الصعوبات المالية يجب ألّا تعرقل إنجاز عملها حتى النهاية. وأضاف: «بالنظر للتحديات التي تواجه المحكمة الخاصة بلبنان، ومع الأخذ في الاعتبار الأزمات الحادة المستمرة التي يعاني منها لبنان، فإن حكومة لبنان ستكون ممتنة لسيادتكم لاستكشاف الوسائل المختلفة والبديلة لتمويل المحكمة، بشكل عاجل، مع مجلس الأمن والدول الأعضاء، لمساعدتها في إنجاز مهمتها».
واعتبر أنّ «العواقب الأشدّ إيلاماً» عن توقف عمل المحكمة «تكمن في انعكاس صورة لعدالة مجتزّأة وناقصة لدى جميع المطالبين بالعدالة».
وغداة إعلانها عن «أزمة مالية غير مسبوقة» قد تمنعها من مواصلة عملها، أفادت المحكمة، في بيان، بأن الغرفة الأولى أصدرت «قراراً ألغت به بدء محاكمة» سليم عياش، المدان الوحيد في جريمة اغتيال رئيس الحريري، كانت مقررة في 16 يونيو، للنظر بقضية تتعلق باعتداءات استهدفت ثلاثة سياسيين لبنانيين بين عامي 2004 و2005.
وقالت: إن قرارها يشمل أيضاً تعليق «جميع القرارات المتعلقة بالمستندات المودعة حالياً أمامها، وبأي مستندات تودع مستقبلاً، وذلك حتى إشعار آخر». وبدأت المحكمة، ومقرها في لايدسندام قرب لاهاي، العمل مطلع مارس 2009. ومدد غوتيريش في فبراير تفويضها لمدة سنتين.
وبعد تحقيقات استمرت 15 عاماً، وكلفت أكثر من 800 مليون يورو، أدانت المحكمة في 18 أغسطس 2020 سليم عياش، العضو في «حزب الله»، بتهمة «القتل العمد»، في قضية اغتيال الحريري بتفجير استهدف موكبه في وسط بيروت، وأسفر عن مقتل 21 شخصاً آخر وإصابة 226 بجروح. وبرأت ثلاثة متهمين آخرين. وجرى استئناف الحكم الصادر في حق الأربعة بعد محاكمة غيابية.
ويشهد لبنان منذ صيف 2019 انهياراً اقتصادياً متسارعاً هو الأسوأ في تاريخ البلاد، فاقمه انفجار مرفأ بيروت المروع في الرابع من أغسطس وإجراءات مواجهة فيروس «كورونا». ومنذ أشهر، يحول الصراع بين القوى السياسية على الحصص والنفوذ دون تشكيل حكومة.
وفي موازاة إبداء المحكمة «أساها الشديد إزاء تأثير هذا الوضع على المتضررين من الاعتداءات»، أعرب متحدثون باسم عائلات ضحايا في بيروت عن خشيتهم من أن يكرّس وقف المحكمة لعملها سياسة «إفلات» المرتكبين من العدالة.
وكان من المقرر أن تنظر جلسة المحاكمة المقبلة التي جرى إلغاؤها في ما يعرف بـ«قضية عياش»، الملاحق في ثلاث جرائم أخرى تبين أنها متصلة بجريمة الحريري، وهي اغتيال الأمين العام السابق للحزب الشيوعي جورج حاوي في 21 يونيو 2005، ومحاولتي اغتيال الوزير السابق مروان حمادة مطلع أكتوبر 2004، ووزير الدفاع السابق إلياس المر في 12 يوليو 2005.