بقلم هدى إبراهيم الخميس*
يمثّل شهر رمضان الفضيل محطة تأمّل تحتاجها الإنسانية في الظروف الصعبة التي نعيشها في ظل «كوفيد- 19»، وفسحة إيمانية نستمدُّ منها عزيمة الصبر وحكمة التأمّل وصدقَ المناجاة، ونستقي، بالتلاقي والتضامن، نقاء الفؤاد ودفء الوجدان.
الدين محبة، ونحن نسعى جاهدين لتجسيد جوهَر دينِنا، دين البصيرة والرحمة والتسامح والمحبة، في تلاقينا رغم استمرار جائحة «كوفيد- 19»، الجائحة التي أكدت لنا حتمية التعايش والترابط، وحقيقة أنّ العالم قريتنا الصغيرة وبيتنا الواحد، بيت الحياة، كما نجدّدُ بمبادراتنا الثقافية والفكرية وبرامجنا الفنية وأمسياتنا الرمضانية روح الأخوة الإنسانية زاداً لمواصلة رحلتنا في إطار السعي نحو استمرارية واستدامة الحضارة والنهوض بمكوناتها.
إنًّ عودة هذه الأمسيات الرمضانية الروحانية، هذا العام، تحت مظلة مهرجان أبوظبي، في دورته الثامنة عشرة، جاءت لتؤكد على النجاح الكبير، الذي حققته الثقافة والفنون، في التخفيف من أثر الجائحة، وتعبر عن استمرارية دورها في خدمة الإنسانية، كما تقدّم صورة مشرقة وإيجابية للعالم أجمع، تعكس المسؤولية الكبيرة التي تقع على عاتق كل منا تجاه الثقافة والحضارة الإنسانية.
فلنسأل الله أن نكونَ في هذا الشهر الفضيل أكثرَ تضامناً لأجل فكرٍ إنسانيٍّ متجدد، ووعيٍ حضاريٍّ معرفي، نلتقي، على اختلاف أطيافنا ومعتقداتنا وثقافاتنا، توحّدنا القيم النبيلة والمبادئ الروحية، على دروب التنوير، مع الفنون الراقية، والآداب الخالدة والموسيقى السامية.
إننا في مجموعة أبوظبي للثقافة والفنون ومهرجان أبوظبي نستلهم الرؤية الاستراتيجية للاستثمار في المبدعين على اختلاف جنسياتهم، وبناء جسور التواصل والحوار بين الإمارات والعالم، والذي جسّدت الموسيقى إحدى أدواته الفاعلة، وشكّلت على مدى عقود غذاءً روحياً ومرآة واقعية للتقدم الحضاري، تعبر عن المشاعر الإنسانية لتسهم في إضفاء قيمة فريدة للحياة تجعلها أكثر احتمالاً، لتنمو وتزدهر معها الروح، وتمنحنا مع السكينة طريقة وفهماً أعمق للمجتمعات، نستطيع من خلالها مواجهة كافة التحديات، والتخفيف من آثار الأزمات، على الحراك الثقافي المحلي والعالمي، مدركين التحدي الماثل أمامنا عبر خلق جيل يعي قيمة التعاون الإنساني بالأخوة والتضامن وأهمية وثيقة الأخوة الإنسانية ويمضي حاملاً شعلة التنوير بكافة إمكانياته الفكرية والعلمية والإبداعية.
كل هذه الأفكار الإبداعية، التي نبتت من رحم الأزمات، لا تسهم- فقط- في الانطلاق بروحية الإمارات إلى العالم، لكن تأتي بالعالم أيضاً إلى الإمارات وتحديداً أبوظبي، لتعزز بذلك روابط الإنسانية، التي نعلم يقيناً أنها ما تزال تمتلك في جعبتها الكثير من الأمل لإبراز أفضل صفاتها وجمالها الفني، لنستمد من الأفكار المبتكرة والإبداع طاقة لاستمراريتنا، تمزج بين التقدم العلمي والإبداعات الفنية، وننتج الكثير من الإنجازات الثقافية التي تبرز دور الإمارات العربية المتحدة على كافة المستويات وخاصة الثقافية، وتؤكد أن «الأخوة الإنسانية: رقي وأمل» للجميع.
لنُحْييِ عامَ الخمسين، عاماً نحمل فيه رسالةً إنسانيةً، لأمجادٍ حضاريةٍ، وكنوز ثقافية، لم نعرفها يوماً، بإيقاعٍ عصريٍّ ورؤيةٍ إبداعيةٍ خلاقة، ولنحملْ معاً، دعوةً إلى أن يقتربَ الإنسانُ من أخيه الإنسان، بسلامٍ وعطاء، وبهجةِ حبٍّ وكرم، ولنعمل برفعةٍ لغدٍ أفضل لأنّ المستقبل يبدأ الآن، وليكن المجد لنا من جديد.
------------
* مؤسس مجموعة أبوظبي للثقافة والفنون، المؤسس والمدير الفني لمهرجان أبوظبي