السبت 23 نوفمبر 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

البابا والسيستاني يطلقان نداء السلام

السيستاني لدى استقباله البابا فرنسيس في منزله بالنجف (أ ف ب)
7 مارس 2021 01:04

هدى جاسم، وكالات (بغداد)

بعد دعوته من بغداد إلى الاستماع إلى «من يصنع السلام»، التقى البابا فرنسيس بابا الكنيسة الكاثوليكية، أمس، في اليوم الثاني من زيارته التاريخية إلى العراق، في النجف المرجع العراقي علي السيستاني، الذي أكد اهتمامه بأمن وسلام المسيحيين العراقيين.
وبعد النجف، التي شكّل اللقاء فيها مع السيستاني أبرز محطات زيارة بابا الكنيسة الكاثوليكية، حطّ البابا فرنسيس في أور، الموقع الرمزي من الناحية الروحية، حيث ندد في خطاب بـ«الإرهاب الذي يسيء إلى الدين»، ووصف أعمال العنف باسم الدين بأنها «أكبر كفر».
وسلط الحدثان المتتاليان في مكانين يفصل بينهما نحو 200 كيلومتر، أحدهما في مدينة مأهولة ذات طبيعة متربة، والآخر في سهل صحراوي الضوء على الموضوع الرئيسي لرحلة البابا المحفوفة بالمخاطر إلى العراق وهي أن البلد عانى كثيراً.
وقال البابا، في خطابه بمدينة أور، الذي سبق صلاةً مع ممثلين عن المسلمين والأيزيديين والصابئة والكاكائيين والزرداشتيين: «لا يصدر العداء والتطرف والعنف من نفس متدينة: بل هذه كلها خيانة للدين».
وأضاف: «نحن المؤمنين، لا يمكن أن نصمت عندما يسيء الإرهاب للدين، بل واجب علينا إزالة سوء الفهم»، وذلك بعد حوالي أربع سنوات من دحر تنظيم «داعش»، الذي سيطر بين 2014 و2017 على أجزاء واسعة من العراق وزرع الرعب والدمار.
وقال البابا فرنسيس في أور: «من هذا المكان حيث ولد الإيمان.. من أرض أبينا إبراهيم، دعونا نؤكد أن الله رحيم، وأن أعظم كفر هو تدنيس اسمه بكراهية إخوتنا وأخواتنا».
وأضاف: «يجب أن ندعو إلى تغيير مفهوم الكره إلى الحب، وأن نعمل معاً من أجل التعايش المشترك السلمي، كما يجب أن نجعل للإنسانية قيمة أكبر»، مؤكداً أن «العراق عانى من الحرب ومن الإرهاب، وأن الإرهاب عندما هاجم العراق هاجم جزءاً من التاريخ».
وبينما كانت رياح الصحراء تعبث بردائه الأبيض، تحدث البابا أثناء جلوسه مع زعماء مسلمين ومسيحيين ويزيديين، حيث ظهر على مرمى البصر موقع الحفريات الأثرية للمدينة البالغ عمرها أربعة آلاف عام، والتي تضم بناء هرمي الشكل يعرف باسم زقورة، ومجمعاً سكنياً ومعابد وقصوراً.
وشكّلت زيارة مدينة أور، الموقع الأثري في جنوب العراق الذي يعتقد أنه مكان مولد أبي الأنبياء إبراهيم (عليه السلام)، حلماً للبابا الأسبق يوحنا بولس الثاني في عام 2000.

  • أول قداس يقيمه البابا في العاصمة العراقية بغداد (أ ف ب)
    أول قداس يقيمه البابا في العاصمة العراقية بغداد (أ ف ب)

أمن وسلام 
وخلال اللقاء المغلق بين البابا والمرجع العراقي، الذي دام نحو ساعة، أكّد السيستاني على «اهتمامه بأن يعيش المواطنون المسيحيون كسائر العراقيين في أمن وسلام»، بحسب بيان صدر عن مكتبه بعد الاجتماع.
وشدّد السيستاني خلال اللقاء، الذي بدأ نحو الساعة التاسعة في منزله وانتهى بعد خمسين دقيقة، على ضرورة أن يتمتع المسيحيون «بكامل حقوقهم الدستورية».
وأشار السيستاني، بحسب البيان، إلى «الدور الذي ينبغي أن تقوم به الزعامات الدينية والروحية الكبيرة في الحد من هذه المآسي، وما هو المؤمل منها من حثّ الأطراف المعنيّة، ولا سيما في القوى العظمى، على تغليب جانب العقل والحكمة ونبذ لغة الحرب وعدم التوسع في رعاية مصالحهم الذاتية على حساب حقوق الشعوب في العيش بحرية وكرامة»، مؤكداً اهتمامه بأن يعيش المسيحيون كسائر العراقيين في أمن وسلام.
 وعُقد الاجتماع في منزل السيستاني، الذي يستأجره منذ عقود والذي يقع في زقاق ضيق بمدينة النجف. واللقاء كان بمثابة لفتة قوية تدعو للتعايش السلمي في أرض عصفت بها الطائفية والعنف.
وبحسب بيان صادر عن الفاتيكان، كان اللقاء «فرصة للبابا لتقديم الشكر إلى المرجع السيستاني، لأنه رفع صوته في مواجهة العنف والصعوبات الكبيرة في السنوات الأخيرة، دفاعاً عن الأضعف والأكثر اضطهاداً».
ويقول المسيحيون في العراق، الذين يتفرعون إلى آشوريين وكلدان وسريان: إنهم يتعرضون للتهميش والتمييز في هذا البلد، الذي لم يعرف منذ 40 عاماً، على الأقل، استقراراً سياسياً وأمنياً.
ويشكون من عدم الحصول على مساعدة من الحكومة لاستعادة منازل لهم وممتلكات صودرت خلال النزاع على أيدي مجموعات مسلحة.
ومنذ وصوله، أمس الأول، إلى بغداد، تطرق البابا إلى كل المواضيع الحساسة والقضايا التي يعاني منها العراق، وليس المسيحيين فقط. وقال خلال لقائه الرئيس برهم صالح: «لتصمت الأسلحة! ولنضع حداً لانتشارها هنا، وفي كل مكان!».

  • البابا يلوّح للحضور في كاتدرائية مار يوسف ببغداد (أ ف ب)
    البابا يلوّح للحضور في كاتدرائية مار يوسف ببغداد (أ ف ب)

سوريا المعذبة 
وفي إشارة إلى المسيحيين الذين يشكلون واحداً في المئة من السكان، شدّد البابا على ضرورة «ضمان مشاركة جميع الفئات السياسية والاجتماعية والدينية، وأن نؤمن الحقوق الأساسية لجميع المواطنين»، قائلاً: «يجب ألا يعتبر أحد مواطناً من الدرجة الثانية».
وارتكب تنظيم «داعش» انتهاكات في سوريا المجاورة أيضاً التي ذكرها البابا في خطبه أمس.
وقال: «السلام ليس فيه غالبون ومغلوبون، بل إخوة وأخوات، يسيرون من الصراع إلى الوحدة»، مضيفاً: «لنصلّ ولنطلب هذا السلام لكلّ الشرق الأوسط، وأفكّر، بشكل خاص، في سوريا المجاورة المعذّبة».
وكان البابا ذكر، أمس الأول، في كلمة أمام المسؤولين في بغداد أيضاً سوريا، حيث أدت الحرب المستمرة فيها منذ 10 سنوات، إلى مقتل أكثر من 387 ألف شخص.
كما دعا أيضاً من أور إلى «احترام حرية الضمير والحرية الدينية والاعتراف بها في كل مكان»، مضيفاً: «إنها حقوق أساسية، لأنها تجعل الإنسان حراً للتأمل في السماء التي خلق لها»، في نداء مماثل للذي أطلقه خلال زيارته إلى المغرب قبل نحو عامين.
وتغيب بسبب التدابير الوقائية من وباء «كوفيد- 19»، الحشود التي اعتادت ملاقاة البابا في كل زياراته، مع استثناء خلال القداس الذي سيحييه، اليوم، في الهواء الطلق في أربيل في كردستان، بحضور نحو أربعة آلاف شخص حجزوا أماكنهم مسبقاً للمشاركة فيه، علماً بأن المكان يتسع لعشرين ألفاً.

  • طفلان يقدمان باقة زهور وعلم العراق ترحيباً بالبابا (أ ف ب)
    طفلان يقدمان باقة زهور وعلم العراق ترحيباً بالبابا (أ ف ب)

انتصار الفضيلة
وفي أور أشاد البابا بالشباب المسلم لمساعدته المسيحيين في إصلاح كنائسهم «عندما اجتاح الإرهاب شمال هذا البلد الحبيب».
وشكر رفح حسين باهر، وهو عضو في الديانة الصابئة المندائية القديمة الصغيرة، البابا على القيام بالرحلة، رغم المشاكل العديدة في البلاد، والتي تشمل ارتفاع حالات الإصابة بفيروس «كورونا»، وموجة الهجمات الصاروخية والتفجيرات الانتحارية.
وقال: «زيارتكم تعني انتصار الفضيلة وهي رمز تقدير للعراقيين، طوبى لمن اقتلع الخوف من النفوس».
ويتوجه البابا اليوم إلى الموصل المعقل السابق لتنظيم «داعش»، حيث لا تزال الكنائس والمباني الأخرى هناك تحمل ندوب الصراع.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©