دينا محمود، وكالات (لندن)
عاودت تركيا واليونان، أمس، محادثات لتسوية خلافهما بشأن التنقيب عن النفط والغاز في شرق المتوسط، بعد أزمة خطرة تشهد على الهوة الفاصلة بين هذين البلدين العضوين في حلف شمال الأطلسي «الناتو».
يأتي ذلك، فيما يحذر ساسة ومحللون أوروبيون من خطورة التجاوب مع «التصريحات المعسولة»، التي يدلي بها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في الوقت الراهن، ويبدي فيها استعداده لإعادة مد الجسور مع الاتحاد الأوروبي والدول المجاورة لبلاده، مؤكدين أنها ناجمة عن تفاقم الأزمات التي يواجهها النظام الحاكم في أنقرة، ولا تعبر عن أي رغبة صادقة في إعادة مد الجسور مع المحيط الإقليمي.
واستقبل المسؤول الثاني في وزارة الخارجية التركية، سادات أونال، وفداً يونانياً في أسطنبول. وكانت هذه المحادثات حول شرق المتوسط معلقة منذ 2016 بعد تصاعد كبير للتوتر بين الجارتين.
وأغرقت مهمات التنقيب التركية عن الغاز المتكررة في المياه اليونانية في الأشهر الأخيرة أنقرة وأثينا في أزمة دبلوماسية غير مسبوقة منذ عام 1996، عندما كاد البلدان يتواجهان في حرب.
وتندرج هذه المحادثات في إطار حملة أوسع للرئيس التركي رجب طيب أدروغان الساعي إلى تهدئة العلاقات المتوترة مع «الاتحاد الأوروبي»، الذي ضاق ذرعاً من سلوك أنقرة، وباشر الشهر الماضي فرض عقوبات عليها.
ومع أن رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس قال الأربعاء: إن بلاده تخوض هذه المحادثات بـ«تفاؤل وأمل»، لا يتوقع تحقيق أي تقدم بارز خلالها.
وفي مؤشر إلى أن هذه المحادثات قد تستحيل «حوار طرشان»، لم يتفق البلدان على جدول أعمال الاجتماع.
فترغب اليونان بالبحث فقط في ترسيم حدود الجرف القاري لجزرها في بحر إيجه، في ما تريد أنقرة توسيع نطاق المحادثات لتشمل المناطق الاقتصادية الخالصة والمجال الجوي للبلدين.
وفي ديسمبر الماضي، قرر قادة دول الاتحاد الأوروبي معاقبة تحركات تركيا غير القانونية والعدائية في «المتوسط» حيال اليونان وقبرص.
ودعا ساسة ومحللون إلى ضرورة إدراك أن هذه المحاولات الظاهرية للتصالح، لا تعدو كونها «جزءاً من استراتيجية أوسع نطاقاً، ترمي لمواجهة التغيرات الجيوسياسية المتسارعة على الساحتين الإقليمية والدولية، والتي تُنذر بمزيد من المخاطر بالنسبة لنظام أردوغان الاستبدادي، وعلى رأسها تولي الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن مهام منصبه».
وفي تصريحات نشرها موقع «أحوال»، أكد الوزير اليوناني السابق للهجرة وملف اللجوء يورغوس كوموتساكوس أن التوجهات التي تبناها النظام التركي على مدار سنوات طويلة، تكشف زيف مبادراته التصالحية الأخيرة، إذ طالما تبنت أنقرة تحت حكم أردوغان «استراتيجية عثمانية جديدة، حاولت في إطارها باستماتة، استعراض قوتها ووجودها ونفوذها، في المناطق التي سبق أن خضعت لحكم الدولة العثمانية؛ من سوريا إلى ليبيا ومن قبرص إلى منطقة القوقاز، بما في ذلك بحر إيجه».
وبحسب كوموتساكوس، باتت «تركيا، الخاضعة لسلطة رجل واحد منذ مطلع القرن الجاري، تبتعد باطراد عن الغرب، في تحول عن التوجه الذي اعتمدته في أوائل القرن العشرين، منذ إعلانها جمهورية على يد مصطفى كمال أتاتورك».
وشدد الوزير اليوناني السابق على أن استراتيجية «الوطن الأزرق» العدوانية، التي يتفاخر بها الساسة والعسكريون الأتراك في ما يتعلق بتعاملهم مع دول الجوار، تمثل «التعبير العملي» عن السياسة الحقيقية لنظام أردوغان، بعيداً عن أي تصريحات لـ «الاستهلاك الإعلامي»، يدلي بها أركان هذا النظام في ظل أزمته الحالية الخانقة.