دينا محمود، وكالات (بيروت، لندن)
أحيا اللبنانيون، أمس، ذكرى مرور عام على انطلاق الثورة الشعبية المناوئة للسلطة والمطالبة برحيلها، عبر سلسلة تحركات وتظاهرات حاشدة، انطلقت من وسط بيروت إلى موقع انفجار المرفأ المروع، في وقت تتخبّط فيه البلاد في أسوأ أزماتها الاقتصادية والسياسية.
وفي 17 أكتوبر 2019، شكّلت محاولة الحكومة فرض رسم مالي على الاتصالات عبر خدمة «واتساب» الشرارة التي أطلقت أول التحركات. وخرج مئات آلاف اللبنانيين إلى شوارع بيروت والجنوب والشمال والبقاع في تظاهرات احتجاجية غير مسبوقة تخطت الانتماءات الطائفية والحزبية.
ورفع المتظاهرون أصواتهم عالية في وجه الطبقة السياسية مجتمعة. وطالبوا برحيلها، واتهموها بالفساد وعدم المبالاة، وحمّلوها مسؤولية تردي الوضع الاقتصادي وضيق الأحوال المعيشية.
ومنذ ذلك التاريخ، شهد لبنان أزمات متتالية من انهيار اقتصادي متسارع فاقم معدلات الفقر، إلى قيود مصرفية مشدّدة على أموال المودعين، وتفشّي وباء «كوفيد - 19»، وأخيراً انفجار مرفأ بيروت المروع الذي حصد أكثر من مئتي قتيل وآلاف الجرحى وألحق أضراراً جسيمة بعددٍ من أحياء العاصمة والاقتصاد.
وقالت ميليسا، البالغة 42 عاماً، وهي من المواظبين على التظاهر وسط بيروت: «لم أفقد الأمل بعد؛ لأننا ما زلنا معاً في الشارع، ضد حكومة فاسدة».
وتحت شعار «أنا القرار»، احتشدت مجموعات مدنية في وسط بيروت، رافعة شعار: «الثورة مكملة لتقضي على منظومة العار».
ومن ساحة الشهداء التي شكّلت أبرز ساحات التظاهر قبل عام، انطلق المتظاهرون باتجاه المصرف المركزي ووزارة الداخلية في منطقة الحمرا، وصولاً إلى مرفأ بيروت.
ومقابل موقع الانفجار الذي لم يتعافَ اللبنانيون منه بعد، أضاء المتظاهرون شعلة في مجسم حديدي تم تصميمه خصيصاً للمناسبة، ثبتوه مساء أمس الأول، ويحمل شعار «ثورة 17 تشرين».
وشكّل رحيل الطبقة السياسية مطلب المتظاهرين منذ بدء تحرّكاتهم قبل عام. وتحت ضغط الشارع قدّم رئيس الحكومة حينها سعد الحريري استقالته. وفي يناير، تشكلت حكومة جديدة برئاسة حسان دياب، بدعم من ميليشيا «حزب الله».
وتراجع زخم التحركات الشعبيّة مع تشكيل الحكومة، التي أقرّت ورقة اقتصادية إنقاذية، بدأت على أساسها مفاوضات مع صندوق النقد الدولي لم تستمر طويلاً، إذ سرعان ما اصطدمت بتدخلات قوى سياسية نافذة، وحدّ تفشي وباء «كورونا» من قدرتها على العمل.
وأدى انفجار مرفأ بيروت الذي عزته السلطات إلى تخزين كميات هائلة من نيترات الأمونيوم وتبيّن أن مسؤولين على مستويات عدّة كانوا على دراية بوجودها وخطورتها، إلى تأجيج غضب الشارع مجدداً. فخرجت تظاهرات حاشدة، تخللها أعمال شغب واستهداف متظاهرين بشكل متعمّد، وفق ما وثّقت منظمات حقوقية عدة. وقدم دياب استقالته في 10 أغسطس.
وفشلت القوى السياسية الشهر الماضي في ترجمة تعهد قطعته أمام الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بتشكيل حكومة يرأسها مصطفى أديب في مهلة أسبوعين وفق خريطة طريق فرنسية نصت على تشكيل حكومة «بمهمة محددة» تنكب على إجراء إصلاحات ملحة للحصول على دعم المجتمع الدولي.
ويرجع فشل القوى السياسية، إلى قرار ميليشيا «حزب الله» عرقلة تشكيل الحكومة جديدة في لبنان، ما لم يتم ذلك بشروطها الطائفية، وتمسكها بالسيطرة وزارة المالية، لتتمكن من إخفاء أصولها، والتمكن من الالتفاف على العقوبات المفروضة عليها من الولايات المتحدة.
وإثر اعتذار أديب، منح ماكرون في 27 سبتمبر القوى السياسية مهلة جديدة من «أربعة إلى ستة أسابيع» لتشكيل حكومة، متهماً الطبقة السياسية التي فشلت في تسهيل التأليف بـ«خيانة جماعية».
وأرجأ رئيس الجمهورية ميشال عون الاستشارات النيابية الملزمة لتسمية رئيس حكومة إلى نهاية الأسبوع الجاري، في وقت يبدو أن الحريري الذي قاد اتصالات كثيفة لتسميته خلال الأسبوع الماضي، يحظى بغالبية تمكّنه من تولي مهمة تشكيل الحكومة.
وكرر عون في «تغريدة»، أمس، استعداده للعمل مع المتظاهرين. وقال «بعد مرور عام على انطلاقة التحركات الشعبية، يدي لم تزل ممدودة للعمل سوياً على تحقيق المطالب الإصلاحية». وأضاف: «لا إصلاح ممكناً خارج المؤسسات، والوقت لم يفت بعد».
وأمام الأزمات المتتالية والجمود السياسي، اعتبر المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان يان كوبيتش في بيان أنّ «مظلومية واحتياجات اللبنانيين المشروعة ذهبت أدراج الرياح خلال عامٍ مروع».
وبحسب مراقبين، يشهد لبنان حالة من التفكك السريع حالياً، تفوق أي بقعة أخرى تشهد الأزمات ذاتها في العالم، وهو ما دفع أعداداً متزايدة من أبنائه، إلى الشعور بأنه لا أمل لوطنهم في الخروج من مأزقه المتفاقم، وأن الهجرة إلى الخارج، هي الخيار الوحيد المتبقي.
فرنسا تطالب المسؤولين بالنهوض بدل الشلل
جددت فرنسا دعوتها للمسؤولين اللبنانيين إلى التوافق لتشكيل حكومة، واعتبرت أنه حان وقت «اختيار النهوض بدل الشلل والفوضى». وأكدت وزارة الخارجية الفرنسية في بيان، أن تشكيل حكومة قادرة على تطبيق الإصلاحات الضرورية لا يزال مؤجلاً، رغم الالتزامات التي أعادت مجمل القوى السياسية اللبنانية تأكيدها.
وأضافت: «تعود لهؤلاء، ولهم وحدهم، مسؤولية الانسداد المطول، الذي يمنع أي استجابة للانتظارات التي عبّر عنها اللبنانيون»، وشددت على أن باريس «مستعدة لمساعدة لبنان في الإصلاحات الكفيلة وحدها بتعبئة المجتمع الدولي».
وتابعت: «يعود إلى المسؤولين اللبنانيين اختيار النهوض بدل الشلل والفوضى، وتقتضي المصلحة العليا للبنان والشعب اللبناني ذلك».
بومبيو: النهج القديم لم يعد يجدي
في ذكرى مرور عام على الحراك في لبنان ضد الطبقة السياسية، وجه وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو رسالة مبطنة إلى السياسيين في لبنان، مفادها أن الاستمرار بالعمل وفق نهج المحاصصة القديم لم يعد مجدياً.
وكتب في تغريدة بحسابه على «تويتر»، أمس: «منذ عام مضى، نزل الشعب اللبناني إلى الشوارع للمطالبة بالإصلاحات، وتحسين الحكم وإدارة البلاد، ووضع حد للفساد المستشري الذي خنق إمكانات لبنان الهائلة».
وأوضح أن الرسالة التي وجهها المتظاهرون كانت ولا تزال واضحة لا لبس فيها، ولا يمكن إغفالها، ومفادها أن العمل على الطريق القديمة لم يعد مجدياً.
«التيار الوطني الحر»: لن نسمي الحريري
أكد حزب «التيار الوطني الحر» الذي يتزعمه جبران باسيل صهر الرئيس ميشال عون، أنه لن يدعم ترشيح رئيس الوزراء السابق سعد الحريري لقيادة حكومة تتولى مهمة انتشال لبنان من أزمة اقتصادية شديدة، وهو ما يعقد جهود الاتفاق على رئيس وزراء جديد.
وكان الحريري الذي استقال من رئاسة الوزراء في أكتوبر أمام احتجاجات في عموم لبنان، قال إنه مستعد لقيادة حكومة تنفذ الإصلاحات التي اقترحتها فرنسا حتى يمكن للبنان الحصول على مساعدات دولية هو في أمسّ الحاجة إليها.