خولة علي (دبي)
تعتبر حرفة صياغة وتصميم المجوهرات من الفنون التقليدية العريقة، التي تجمع بين الإبداع والمهارة، حيث تمتد جذورها في عمق التاريخ لتعكس ثقافات وحضارات متنوعة، إنها ليست مجرد عملية إنتاج جواهر، بل هي تعبير عن الهوية والتراث الفني الذي يساهم في نقل القيم والتقاليد من جيل إلى آخر، وهذا ما تحرص عليه وردة الجنيبي من خلال ارتباطها بالتاريخ والحضارات المختلفة، حيث تستلهم من هذا الغنى الثقافي أسس بناء أعمالها الفنية، وتنسج منها قصصاً وتحولها إلى تصاميم معاصرة تحمل روح الماضي وتخلق قطعًا تتجاوز الزمن، محققة توازناً بين الأصالة والحداثة.
لمسة عصرية
تعد وردة الجنيبي، خبيرة ومدربة في حرفة الصياغة والتصميم، من الأسماء البارزة التي تسهم في نشر أسس هذا الفن وتعليمه للأجيال، ومن خلال ورش العمل والمبادرات التي تقدمها، تفتح آفاقاً جديدة للتعبير عن الذات والمساهمة في بناء مجتمع يزخر بالمواهب والإبداعات، حيث تعرف حرفة الصياغة، قائلة: «إن الصياغة ليست مجرد تحويل المعادن الثمينة إلى جواهر جميلة، بل هي فن يعبر عن هوية وثقافة الشعوب، فمن خلال كل قطعة أصيغها، أسعى لنقل روح الحضارات القديمة وربطها بالحاضر، مع إضفاء لمسة عصرية تجعلها ملائمة لكل زمان ومكان».
صبر ودقة
وعن المهارات التي اكتسبتها الجنيبي، والتي جعلتها تنظر بعمق عند العمل على تحويل الفكرة إلى عمل فني متميز، قالت: «من خلال عملي في صياغة التصاميم، تعلمت الصبر والدقة، فكل قطعة تحتاج إلى عناية فائقة وتفاصيل دقيقة، كما اكتسبت مهارات الابتكار والتصميم، حيث يتطلب الأمر خيالاً واسعاً لإحياء تصاميم مستوحاة من التاريخ والحضارات، هذه الحرفة علمتني أيضاً أهمية الحفاظ على التراث، وفي الوقت نفسه القدرة على التكيف مع التوجهات العصرية».
أصالة وتجديد
وفي مجموعتها الأخيرة، استمدت الجنيبي أفكارها من حضارة جنوب أفريقيا، لتقدم قطعاً تعكس جوانب من تراث هذه الحضارة العريقة، وقد استوحت تصاميمها من الرموز والأنماط الفريدة التي تجسد الجوانب الفنية والثقافية لشعوب جنوب أفريقيا، ما جعل هذه المجموعة مزيجاً مميزاً من الأصالة والتجديد، وبتلك التصاميم، لم تحافظ وردة على التراث فحسب، بل أعطته حياة جديدة تتناغم مع الذوق العصري.
تحديات
من أبرز التحديات التي تواجه الجنيبي في حرفة الصياغة، عدم توفر الخامات وصعوبة الحصول عليها مما يؤثر بشكل كبير على عملية التصميم والإنتاج، حيث يتطلب الذهب والمعادن الثمينة الأخرى دقة واختياراً متأنياً لتتناسب مع الرؤية الفنية للتصاميم، إلى جانب الاعتماد على مصادر خارجية للحصول على الخامات مما يضع الصائغ في مواجهة تحديات تتعلق بتعطل التوريد أو التأخير في التسليم، خاصة مع تغيرات السوق والظروف الاقتصادية العالمية، إضافة إلى صعوبة الحصول على الخامات المناسبة، لضمان استخدام مواد ذات جودة عالية تفي بمعايير التصنيع والصياغة الراقية.
رؤية اقتصادية
وتؤكد الجنيبي على أهمية صناعة المجوهرات في تعزيز النمو الصناعي من خلال خلق فرص عمل جديدة، حيث تتطلب هذه الصناعة مجموعة متنوعة من المهارات والتخصصات، بدءًا من التصميم والصياغة وصولاً إلى التسويق والتوزيع، كما تلعب المجوهرات التقليدية دوراً كبيراً في جذب السياح الذين يحرصون على زيارة أسواق الذهب وشراء جواهر محلية فريدة، مما يعزز قطاع السياحة بشكل غير مباشر ويدعم الاقتصاد المحلي.
نشر الحرفة
تلعب وردة الجنيبي دوراً مهماً في نشر حرفة الصياغة بين الشباب من خلال تقديم ورش عمل متخصصة لتعليم فن صياغة المجوهرات، في مركز لوتاه التقني، حيث تشارك خبراتها وتعلم المهتمين أساليب وتقنيات الصياغة التقليدية والمعاصرة وتقدم لهم النصائح والمشورة حول كيفية دخول هذا المجال وتطوير مهاراتهم فيه، كما تشارك في معارض وفعاليات فنية وثقافية لعرض أعمالها وإبراز أهمية الحرفة، مما تلهم الشباب لخوض مجال صياغة وتصميم المجوهرات وابتكار قطع فنية مبهرة من التصاميم.