خولة علي (أبوظبي)
تشكّل صناعة القوارب جزءاً أساسياً من التراث البحري المحلي، حيث تعكس هذه الحرفة ارتباط الأجداد بالبحر كمصدر للرزق والتنقل، وفي ظل الاهتمام المتزايد بالحفاظ على الهوية الوطنية، يظهر مكتوم راشد محمد، الذي يبلغ من العمر 12 عاماً من مدينة دبا الحصن في الشارقة، شغفه الكبير بهذه الحرفة التقليدية التي تعلّم فنونها من جده، فغاص في تفاصيل صناعة القوارب، للتعرف على أنواعها ومسمياتها، والمساهمة في نقل هذا الإرث العريق إلى الأجيال القادمة من خلال مشاركته في مهرجانات وفعاليات تراثية عدة.
إرث عريق
يشير مكتوم راشد إلى أن صناعة القوارب من الحرف التقليدية التي تعتبر إرثاً ثقافياً عريقاً، فهي تمثل جزءاً لا يتجزأ من التاريخ البحري لدولة الإمارات العربية المتحدة، قائلاً عن تجربته الشخصية في تعلم حرفة صناعة القوارب، التي بدأها منذ عامين، «يعود الفضل في تعلمي حرفة صناعة القوارب إلى جدي، الذي نقل لي حب هذه المهنة وأساليبها التقليدية، وقد بدأت في ممارسة هذه الحرفة في سن العاشرة، حيث كنت أتلقى التدريب على يديه فهو كان مرشداً وصانعاً متمرساً في هذا المجال».
«البتيل والشاحوف»
ويجيد مكتوم صناعة نوعين من القوارب التقليدية، هما البتيل والشاحوف، وهما يرمزان إلى التراث البحري الأصيل، أما بالنسبة للمواد التي يستخدمها في هذه الحرفة، فهي تشمل أدوات أساسية مثل المنشار، المطرقة، والمقدح (المثقاب)، بالإضافة إلى المواد التقليدية مثل الكلفات (القطن) والصل، وهو مستخلص من كبد السمك، ويُستخدم لحماية الخشب وإغلاق المساحات لضمان عدم تسرب الماء.
صناعة القارب
تمر صناعة القارب بعدد من الخطوات الدقيقة التي تتطلب مهارات فنية وحرفية عالية، حيث يوضح مكتوم أن صناعة القوارب تبدأ بتحديد حجم القارب المطلوب، ثم يتم توفير المواد اللازمة وفقاً للأبعاد المطلوبة، بعد ذلك، يبدأ العمل على «البيص»، وهو الجزء الأساسي الذي يقاس طوله بمقدار «الدقل» أي الخشبة التي يسند عليها الشراع، تلي ذلك مرحلة تثبيت «البيص» على ركائز من الخشب، ومن ثم تركيب الألواح على السفينة لتشكيل هيكل القارب، وفي النهاية، يتم تركيب سطح السفينة من مقدمتها (الصدر) إلى نهايتها (التفر).
تحديات وطموحات
من التحديات التي تواجه مكتوم في صناعة القوارب، هي عملية ربط الدعن الأيمن مع الأيسر، حيث يتطلب الأمر خياطة باستخدام حبل خاص، بالإضافة إلى تغطية المسامات باستخدام «الدامر»، وهو مادة لاصقة تذوب بالحرارة وتُسكب داخل القارب لمنع تسرب الماء.
وأشار مكتوم إلى أن هناك حاجة لزيادة الاهتمام بحرفة صناعة القوارب، سواء من الناحية المعنوية أو المادية، لتحقيق انتشار أوسع بين المجتمع الإماراتي والخليجي بشكل عام، ويطمح إلى أن تصبح هذه الحرفة جزءاً من الحراك الثقافي الذي يعكس الأصالة والهوية التراثية للدولة.
مشاركات
يشارك مكتوم راشد، إلى جانب جده، في العديد من المعارض والفعاليات التي تنظم في مناطق عدة في الإمارات، خاصة في دبا الحصن، ويتم تنظيم هذه الفعاليات من قبل دائرة التراث، بالتعاون مع جمعية دبا الحصن للثقافة والفنون والمسرح، والتي تسهم في تعزيز الوعي العام بأهمية هذه الحرفة التقليدية.
هوية تراثية
يرى مكتوم أن صناعة القوارب تعد أكثر من مجرد مهنة، فهي تمثل هوية تراثية وثقافية وحضارية تعكس تاريخ الأجداد، مشدداً على أن هذه الحرفة تساهم بشكل كبير في الحفاظ على التراث البحري الإماراتي، إذ ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالحياة اليومية في الماضي، سواء في مجال الصيد أو التنقل عبر البحار.