عدد اليوم
لكبيرة التونسي (أبوظبي)
«الهريس» طبق إماراتي شعبي عريق، يحظى بتقدير كبير، يسجل حضوراً بارزاً في الأعياد والأفراح والأعراس. يعكس الكرم والحفاوة بالضيف، ولأهميته الثقافية والتراثية تم إدراجه عام 2023 في القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي لـ«اليونسكو»، كقيمة تاريخية راسخة في المجتمع، وكإرث ينتقل عبر الأجيال.
طبق تراثي
عن هذا الطبق العريق وأهميته وارتباطه بالذاكرة الجمعية لأهل الإمارات وطقوسه وعاداته، قالت الكاتبة والباحثة في التراث مريم سلطان المزروعي: «الهريس» طبق تراثي ووجبة تُصنع من البر أو القمح أو حبات الحنطة، وتطبخ مع اللحم بعد غسله على نار هادئة حتى ينضج ويتجانس، ثم يضاف إليه الملح والسمن العربي ويتم تقديمه في التجمعات العائلية والمناسبات والأعياد الوطنية والدينية، ويُحتفى به في مختلف المهرجانات والفعاليات التراثية في جميع أنحاء الإمارات، ويحظى باهتمام بالغ بين العائلات الإماراتية.
مكانة اجتماعية
وأكدت المزروعي أن إعداد وجبة «الهريس» في السابق كان دليلاً على المكانة الاجتماعية العالية في البيوت ميسورة الحال أو التجار ضمن طقوس خاصة، ففي المناسبات الدينية كشهر رمضان والأعياد، تظهر القدور ويتم تنظيفها وتجهيزها، بينما يُوضع الحب أو البر أو القمح في ماء طوال الليل حتى يلين، لتقوم النساء بطحن حب «الهريس» وتُذبح الذبائح، وتوضع القدور فترة لا تقل عن أربع ساعات على نار هادئة وبعدها يبدأ الرجال بضرب الهريس بالمضراب الخشبي حتى يعطي نكهة خاصة ورائحة مميزة، ويستمر الضرب وخلط المقادير حتى تصبح متجانسة، بينما كان الأطفال يحملون الأطباق الفارغة وأعينهم على «الهريس» رغبة في تذوق هذه الوجبة الشهية الغنية والدسمة والتي تغنيهم عن باقي الوجبات الغذائية طوال اليوم.
صور راسخة
وأوردت المزروعي أن إعداد وجبة «الهريس» ترافقه العديد من الصور الاجتماعية والعادات والتقاليد الراسخة، حيث كان يتم توزيع جزء منه على الجيران، وكانت العملية تتم بإشراف المرأة الأكبر سناً في المنزل، حيث تعاين مدى تجانس المقادير، والتأكد أيضاً من كمية الملح المضاف إليه، وفي رمضان وبعد صلاة التراويح كانت النساء يجتمعن وكل واحدة منهن تحمل معها وجبة تكون من ضمنها وجبة الهريس، موضحة أن بعض النساء يُعدِدنه في قدور من الفخار، تدفن في الأرض ليلاً إذا كانت لوجبة الإفطار، وظهراً إذا كانت لوجبة العشاء.
مائدة رمضان
وأضافت المزروعي: «يحرص المجتمع الإماراتي على وجود هذه الطبق على الموائد العائلية والمناسبات الاجتماعية والوطنية، لاسيما المائدة الرمضانية التي يحظى الهريس فيها بحضور مميز، إضافة لحضوره البارز في مفردات الثقافة الشعبية كالحكايات، والأمثال، والألغاز، والأشعار، كما أصبح رمزاً من رموز التراث التي يروج لها في المهرجانات والفعاليات المختلفة، كما شكّل الإقبال المتزايد عليه من قبل فئات المجتمع كافة دافعاً لافتتاح العديد من المطاعم الشعبية التي تُقدم الهريس لزبائنها.
عادات
قالت الشيف حصة راشد بن درويش الشامسي، صاحبة مطعم شعبي، إن «الهريس» طبق تراثي، يتمّ تناوله غالباً خلال التجمعات العائلية، خاصة حفلات الزفاف، ومناسبات الأعياد الوطنية والدينية، موضحة أن إعداد أكلة الهريس يعتمد على مكونات عديدة من أهمها حبوب القمح المختارة بعناية مع اللحم الطازج والسمن العربي الممتاز، وهو من الأطباق التقليدية الشعبية والأساسية على موائد الشهر الكريم، حيث تعدُّه ربات البيوت بعناية، ويرتبط بعادات وتقاليد متوارثة، منها تبادل الأطباق والتصدق والعطاء على موائد الخير، ويزداد الطلب عليه في المطابخ والمطاعم الشعبية.
قيمة تاريخية
لأهميته الثقافية والتراثية، تم إدراج «الهريس» عام 2023 في القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي لـ«اليونيسكو»، كقيمة تاريخية راسخة، وهذا دليل على أهمية الحفاظ على التراث الشعبي بمختلف مكوناته لما له من دور في حفظ وصون الهوية الوطنية والحفاظ على إرث الآباء والأجداد على مر السنين.
