لكبيرة التونسي (أبوظبي)
يحرص «مهرجان الشيخ زايد» على حماية الحرف التراثية من الاندثار واستدامتها للأجيال ونقلها للعالمية، حيث يتحول الحدث العالمي المتواصل في منطقة الوثبة حتى 28 فبراير 2025، في كل دورة من دوراته إلى متحف حَي ومنصة تفاعلية لاستعراض مختلف الحرف اليدوية التراثية الأصيلة.
ويأتي ذلك، ضمن أروقة وساحات مفتوحة لترسيخ هذه الحرف، وضمان استمراريتها، مما جعل العديد من عناصر التراث الإماراتي الأصيل تتربع على قائمة «اليونسكو» كتراث إنساني عالمي، وذلك من خلال جناح دائرة الثقافة والسياحة التي تستعرض عناصر التراث الإماراتي غير المادي، وجناح «مؤسسة خليفة بن زايد آل نهيان للأعمال الإنسانية» وجناح «الاتحاد النسائي العام» إلى جانب العديد من الأجنحة الأخرى.
والمشهد يعكس عناية دولة الإمارات بتراثها غير المادي والأهمية التي توليها للحفاظ على المرتكزات الأصيلة التي تشكل أساسات الهوية الوطنية لمجتمعها المحلي، إذ يبدأ استشراف المستقبل بالنسبة للدولة من الاهتمام بأصالة الماضي، وصون تاريخ الأجداد ليكون لدى الأجيال ثروة لا تقدر بثمن.
هوية وطنية
تضم قائمة التراث الإنساني غير المادي الخاصة بالإمارات، والتي تروِّج لها دائرة الثقافة والسياحة عبر مجموعة من الملصقات والكتيبات المطبوعة، بجناحها، وعناصر ترتبط بهويتها الثقافية، بينما تتشارك في عناصر أخرى مع محيطها الخليجي والعربي.
وتتناول هذه الملصقات التعريفية «الصقارة، سباق الهجن، العيالة، الرزفة، المجلس، التغرودة، السدو، العازي، التلي، حداء الإبلال، القهوة العربية، النخلة، الأفلاج، الخط العربي، الهريس والحناء».
وتلعب دولة الإمارات دوراً فاعلاً في التعريف بتلك العناصر التي تمثل هوية ثقافية متكاملة انعكست بشكل مباشر في انتشارها.
عادات وتقاليد
ثراء وافر للعادات والتقاليد الإماراتية، يتأمله جمهور الحدث العالمي، من خلال فضاء مفتوح، حيث بالإمكان الاطلاع على مختلف الحرف التي كان الإماراتي يمارسها ضمن مختلف البيئات.
ويعكف مجموعة واسعة من الحرفيين الإماراتيين على ممارسة العديد من الصناعات بإتقان أمام الزوار من مختلف الجنسيات، ما يتيح الاستمتاع بجانب من العادات والتقاليد والصور الاجتماعية المرتبطة بهذه الصناعات، ويعكس غنى التقاليد والتراث والثقافة الإماراتية وتنوّعها ويسهم في بلورة نظرة واضحة وعميقة لتراث الإمارات.
مهارة المرأة
تتحدث شامية حسين عبداللطيف، مشرفة جناح «الاتحاد النسائي العام» عن الحرص على المشاركة بجانب من العادات والتقاليد، إلى جانب الأشغال اليدوية الإماراتية الأصيلة التي تمارسها النساء خصوصاً، للتأكيد على قيمة المرأة في المجتمع الإماراتي وجهودها في مساندة الرجل منذ القِدم.
وأوضحت أن 40 حرفية من «حاميات التراث» يعملن أمام الجمهور لإظهار مدى قدرتهن على إتقان جانب كبير من الحرف التي تميز بها المجتمع الإماراتي. كما يتيح الجناح الفرصة لبعض الحرف الذي تدمج بين العصري والتقليدي في إطار استدامة الموروث ونقله للأجيال. ويطلع الجمهور على جانب من العادات والتقاليد المرتبطة بالعرس الإماراتي وأدوات الزينة، وسواها من التفاصيل الجميلة المرتبطة بالمناسبات السعيدة.
حياة الأجداد
يستعرض «مهرجان الشيخ زايد» تفاصيل من حياة الأجداد، وكيف كانت الصناعات اليدوية تحقق اكتفاءً ذاتياً لبعض الأسر، وكيف يعمل الحرفيون على إخراج أجمل الأدوات من «الصوف والسدو والتلي والخوص» بخلاف صناعة السفن، ويحولون المواد الخام إلى تحف جميلة، حيث كانت المهن تشكل مصدر رزق للأسر، وكان الأولون يصنعون منها أدواتهم، من مفارش وسلال، وأغطية، مما يغنيهم عن شراء هذه الأدوات من الأسواق. وكانوا يستثمرون الطبيعة لسد حاجياتهم، ويبنون بيوتهم وسفنهم، ويزداد الطلب عليها اليوم كتذكارات، كما يدخلها الشباب في صناعة الأدوات العصرية.
تراث أصيل
حرصاً منها على الحفاظ على الموروث، ونقله للأجيال تقوم «مؤسسة خليفة بن زايد آل نهيان للأعمال الإنسانية» وعبر «مركز الحرف» باستعراض مجموعة من الحرف من خلال حرفيات ماهرات.
وتتحدث فاطمة المنصوري عن «السدو» كحرفة قديمة تغير الغرض منها، بحيث أصبحت تستعمل في الديكور، وفي صناعة أدوات تذكارية وكحاملات لأجهزة الألواح الإلكترونية، وسواها من الاستعمالات بما يتواكب مع متطلبات الحداثة من دون المساس بجوهر الحرفة.
مهارة
أشارت مريم بنت علي التي تعكف على صناعة «التلي»، إلى أن هذه الحرفة تزيد من جمالية الثوب، وتكشف عن دور المرأة في إعانة الأسرة الإماراتية، إذ كانت النسوة يمتهن هذه الحرفة، ويسهمن في زيادة دخل الأسرة، لافتة إلى أنها حرفة تتطلب الكثير من الصبر والحنكة، وتحتاج إلى دراية وتدريب ودقة، وهو ما يجعل بعض الخياطات يتميزن عن غيرهن في الدقة وجودة صناعتهن.
الخوص
قالت حليمة علي عبيد الشحي التي تتقن حرفة «سف الخوص»، أن هذه المهنة مصدرها النخلة المباركة، لافتة إلى أنها تعمل على التجديد فيها وإدماج التراثي بالعصري بطريقة مبتكرة.
وتقوم بنسج أو تجديل سعف النخيل لصنع منتجات وأدوات مختلفة استخدمت لسد الاحتياجات اليومية للأسر قديما كالأواني والفرش، وقد ورثت هذه الحرفة عن الجدات، وتسعى إلى توريثها عبر مشاركاتها في مختلف المعارض والمهرجانات.
ملتقى الحضارات
يتفاعل الزوار الأجانب مع الفعاليات والعادات والتقاليد الإماراتية، التي تعبر عن ثقافة وتراث وحضارة الإمارات، حيث يحظى الجمهور يومياً وعلى امتداد انعقاد الحدث العالمي بفرصة حضور العديد من الأنشطة الترفيهية والتثقيفية المحلية، من الحرف اليدوية، والطعام واستعراضات شعبية، ضمن أجمل ملتقى للحضارات.