حينما كنا صغاراً، لم تكن السماء تغيم ليهطل المطر وحسب، وإنما كانت كل المفردات حولنا تهطل حبّاً، وكنا نملأ الحياة من حولنا براءة، ونسقي الأرض ولعاً واشتياقاً، وتعلقاً بشيء اسمه طفولة، ما كنّا عليه كان عبارة عن أسلوب حياة، وامتداد لنظام اجتماعي يعتمد الفطرة والبديهة والتعاملات الإنسانية الرفيعة، ويجعل من التعاون والتعاضد في نظام يسمى «الفزعة» أساس حياة، وتعاملاً يومياً لا يتجاوزون حدوده.
لقد حفلت حياة الأجداد والآباء في فترة ما قبل ظهور النفط، والانفتاح على الحياة الجديدة بما تحمل من تغيرات، بالكثير من التعب والقسوة والمعاناة في سبيل تأمين الحياة الحرة الكريمة لهم ولأبنائهم، متكئين في ذلك على ثقافة إسلامية واضحة تكرس لقيم نبيلة تتمثل في احترام الإنسان وحبه، اعتماداً على مصادر دخل بسيطة، ومحدودة، وفقيرة نوعاً ما، لم تخرج عن الغوص لجمع اللؤلؤ في مواسمه السنوية المعتادة، وزراعة النخيل وبيع منتجات الغلات الزراعية قليلة التنوع، إضافة إلى حرفة أخرى امتهنها البدو، وهي حرفة الرعي، وصناعة السدو عند النساء.
غير أن شظف الحياة لم يكن مصدراً للملل، أو الضيق، بل كان محفزاً على العمل والعطاء والتعاضد، سلوانهم في ذلك أهزوجات شعبية يؤدونها أثناء العمل، وأحاجٍ وألغاز يتنافسون في حلها، وأشعار تحفظها ذاكرتهم فتنقلها من سمع إلى آخر.
هكذا مضت بهم الحياة، بين جدب وخصب، عطاء وجفاء، ولم تكن الطفولة بمعزل عن كل تلك المعطيات، بل كان الطفل شريكاً رئيساً فيها، فالصبي منذ أن يبدأ ذهنه في فهم الحياة صار مرافقاً لوالده، وسنداً وعضداً لأسرته، والفتاة ما إن تصل إلى مرحلة الوعي بما حولها حتى تصبح رفيقة أمها، وساعدها الأيمن، ورغم ذلك عاشوا طفولة على بساطتها لم تتوافر لأقرانهم من أبناء الجيل الحالي، مثل الألعاب الإلكترونية الذكية، والمتنقلة.
إن مجتمع الإمارات، كغيره من المجتمعات الأخرى، مر بمرحلة تغيرات كبيرة وما زال هذا التطور يسجل ملحمة تهتم بالإنسان ومآثره، ولكن في ظل هذه الثورة من التغيرات لم ينسَ هذا المجتمع المتطلع إلى المستقبل بقوة العلم والاتكاء على ماضٍ وإرث عريق، لم ينسَ تراثه، وتكريسه، فقد تنامى الاهتمام بالتراث بشكل لافت في الآونة الأخيرة، وعلى كافة الصُّعد.
ولا شك أن أغاني الأطفال وألعابهم التي اقترنت بها تلك الأهازيج والأناشيد البسيطة العفوية، كانت أحد أوجه التراث التي حظيت باهتمام الدولة، من خلال تكريسها في أنشطة المدارس، والأيام والمناسبات التي تُعنى بالتراث.
تغيّر الزمان، وتغيّرت الألعاب، وبقيت قلوبنا التي كبُرت تحنّ إلى تلك الأغنيات والأيام الحلوة.