خولة علي (دبي)
تعد المجسمات المصغرة، أو ما يطلق عليها فن «الديوراما» وسيلة للتعبير الفني والإبداعي، وغالباً ما تُستخدم في الفنون التشكيلية والعروض التوضيحية، والتعليمية، وقد يتم استخدامها أيضاً في صناعة الأفلام والألعاب والمسلسلات التلفزيونية لإنشاء تأثيرات بصرية واقعية، هذا الفن الذي وجدت فيه شيماء سالم الظنحاني وسيلتها للتعبير عن ثقافتها وإرثها المحلي، بإعادة تجسيد العمارة التقليدية المحلية بكافة أبعادها وتفاصيلها الدقيقة في مشهد فني واقعي مصغر.
هوية وأصالة
رحلتها مع فن المصغرات جاءت مصادفة أثناء سعيها نحو تحقيق الاستدامة وتعزيز الوعي البيئي، من خلال إعادة تدوير القطع المهملة والاستفادة منها لعمل مجسمات فنية غاية في الدقة والإبداع، هذا العالم المصغر الذي شكلته الظنحاني يساهم في إحياء جوانب ثقافية وتراثية ومجتمعية مهمة، وإعادة تصوير الماضي بأصالته وبساطته، المتمثل في البيت الإماراتي التقليدي، والقلاع والحصون القديمة التي كانت تمثل رمزاً للأصالة والقوة، باعتبارها جزءاً من الهوية الثقافية والتاريخية للمجتمع قديماً، والتي لا تزال باقية وشامخة في مختلف مناطق البلاد.
«الديوراما»
عن فن «الديوراما»، تقول الظنحاني «هو عبارة عن مجسمات يدوية متناهية الصغر تجسد مشاهد موجودة في الواقع، وتحتاج إلى الدقة والصبر والاهتمام بالتفاصيل التي تمنح العمل مظهراً فنياً غاية في الإبداع والتميز، وتضيف بدأت خلال فترة جائحة كورونا، ونتيجة رغبتي في البحث عن فكرة غير تقليدية وبأدوات بسيطة ومتوفرة في كل بيت، أصبح هذا الفن بالنسبة لها ملاذاً ومتنفساً، فاتجهت إلى إعادة تصوير مشاهد من الماضي بكافة تفاصيله من خلال مصغرات إبداعية».
عمارة متفردة
وكثيراً ما تلعب الثقافة والبيئة، دوراً مهماً في تحديد أفكار الفنانين وإبداعاتهم، حيث يستلهمون من تراثهم الثقافي والتاريخي أعمالاً تحاكي هويتهم لنجد أعمالهم أكثر تعبيراً وواقعية، ونظراً لكون العمارة التقليدية في الإمارات متنوعة وذات طابع خاص، ونظرا لرغبة الظنحاني في التعريف بخصائص العمارة المحلية المتفردة التي تعكس القيم الاجتماعية السائدة في المجتمع، اتجهت بفنها وبمهارتها نحو إبراز هذا النمط من التراث.
بيئات محلية
وأبدعت الظنحاني عشرات المجسمات الفنية، للبيت الإماراتي القديم الذي تتنوع خاماته وفقاً لتنوع البيئات المحلية ومواردها المستخدمة في البناء، موضحة أن كل عمل فني له خصائص وسمات يتميز بها، فالبيوت التقليدية تتميز بالفناء الداخلي وتطل عليها الغرف لمنح الخصوصية لأصحاب المنزل، مع الأفق المفتوح من أعلى لجلب الهواء والإضاءة للداخل، كما تشكّل النقوش البسيطة المستوحاة من الزخرفة النباتية جانباً مهماً في بعض البيوت التي تعكس الحالة الاجتماعية للأسرة، والتي تظهر جلية في البيوت التقليدية، فيما أبدعت أيضاً في تشكيل قطع الأثاث البسيطة التي تنعم بها البيوت من حصير ووسائد وغيرها من قطع الأثاث، لتمنح المجسم نوعاً من الواقعية.
قلاع وحصون
نفذت شيماء الظنحاني مجسمات مصغرة للقلاع والحصون في دولة الامارات والتي تتميز بأبراج ذات أشكال مختلفة، فمنها المربعة والمخروطية والدائرية، والتي أنشئت جميعها لأغراض دفاعية، ولتكون مركزاً لإدارة نظام الحكم، وهذه المهارة والخبرة التي تتمتع بها مهّدت لها الطريق كي تؤسس مشروعها الخاص، لتنفذ أعمالاً فنية من وحي الثقافة المحلية، وتشكيل وبناء مجسمات مصغرة للعروض التوضيحية والتعليمية.
إعادة تدوير
تتنوع الخامات والأدوات التي تستخدمها شيماء الظنحاني وفقاً لفكرة المجسم، كالطلاء والورق والبلاستيك وأيضاً الصمغ، وتحاول كثيراً أن تعتمد في خاماتها على مبدأ إعادة التدوير وكيفية الاستفادة من مختلف الخامات المتوفرة في المنزل، كي تبدع منها عملاً فنياً قيّماً، منطلقة من مفهوم الاستدامة في استخدام الموارد المتاحة بطريقة ذكية، حفاظاً على البيئة.