تشهد بدايات الصيف في كل عام "تباشير الرطب" التي ينتظرها الإماراتيون بالشغف نفسه كل مرة في فاتحة موسم القيظ ، فثمة علاقة منسوجة بالمحبة تجمع بينهم وبين ثمرة النخيل، وتاريخ عريق من التقدير والتوقير للنخلة ومكانتها في حياة الآباء والأجداد، بل وفي حياتهم حتى اليوم.
وتزدان الأسواق بباكورة إنتاج المزارع في الدولة التي تجد اقبالاً كبيراً من عشاق الرطب في مطلع شهر يونيو، بظهور الأنواع الأسرع نضجاً منها، مثل "النغال، والخاطري"، وذلك إيذاناً باقتراب نضج بقية الأنواع مثل "الخنيزي، والخلاص، والجابري"، إلى أن يختتم الموسم في أغسطس من كل عام، بنضج ثمار "الخصاب، والهلالي" وغيرها من الأصناف.
وكانت الرطب قديماً أحد أهم المنتجات التي يحرص عليها كل بيت إماراتي، فهي تحمي الأمن الغذائي للأسرة طول العام، إذ يمكن تخزينها وحفظها بطرق عديدة ، واليوم برغم التطور الكبير الذي شهده المجتمع الإماراتي، ما زالت الرطب تحتل مكانتها الكبيرة في الذاكرة الشعبية، لارتباطها بنظام العادات، وثقافة الغذاء المتميزة للإماراتيين، وهو ما جعل بدايات القيظ حتى اليوم تعني ما كانت تعنيه دائماً: الاستبشار بموسم الخير والوفرة المرتبط بقدوم الصيف.
والنخلة في دولة الإمارات هي مرادف للخير الذي لا ينقطع، والبركة التي تعم الجميع، إذ تجود بكل أجزائها وليس فقط ثمارها، فتستخدم مكوناتها من خوص وكرب وليف وغيرها، لصناعة الأدوات التي كان يحتاجها الإنسان الإماراتي في حياته اليومية داخل المنزل وخارجه، كما أن للنخلة أيضاً حضوراً اجتماعياً وثقافياً مهماً، بجانب حضورها الاقتصادي، ما جعلها ركناً أصيلاً، وعنصراً رئيساً من عناصر الموروث الشعبي الإماراتي.
وتعبيراً عن المكانة التي تحتلها النخلة في التراث الإماراتي والذاكرة المحلية ، جاء الاهتمام الرسمي بشجرة النخيل ليمنحها بعداً مختلفاً، فاعتنت الدولة بزراعتها، وأنشأت من أجلها المراكز البحثية ، وأطلقت الدراسات حولها، وخصصت لها المهرجانات والجوائز تشجيعاً للمزارعين، ونشراً للمعارف المتعلقة بهذه الشجرة المباركة.
وسارت الدولة في ذلك على هدى الاهتمام الكبير للمغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان "طيب الله ثراه" بالنخيل، وحرصه على تطوير زراعته وتوسيعها على أكبر نطاق تحت إشرافه المباشر.
وفي منطقة الظفرة بأبوظبي، تحمل تباشير الرطب معاني عديدة، فبجانب كونها إشارة إلى قرب نضج محصول التمور، فهي أيضاً تعلن اقتراب أحد أهم المهرجانات التي تحتفي بالنخلة في المنطقة، إذ تشهد مدينة ليوا سنوياً فعاليات “مهرجان ليوا للرطب”، الذي تنطلق دورته الـ 20 في الفترة من 15 إلى 28 يوليو المقبل تحت رعاية سمو الشيخ منصور بن زايد آل نهيان نائب رئيس الدولة، نائب رئيس مجلس الوزراء، رئيس ديوان الرئاسة ، وبتنظيم هيئة أبوظبي للتراث.
ويعد المهرجان من أبرز الفعاليات التراثية في إمارة أبوظبي، ووجهة سياحية تسلط الضوء على مكانة شجرة النخيل وثمارها في المجتمع الإماراتي وأبعادها الثقافية والتراثية والاقتصادية للمجتمع والدولة ، إذ يمثل منصة تعرف الزوار بالرطب وأهميتها وأصنافها التي تنمو في دولة الإمارات.
ويعد قطاع النخيل في إمارة أبوظبي من القطاعات الحيوية التي تحظى باهتمام كبير لدوره في منظومة الأمن الغذائي، إضافة إلى أهمية أشجار النخيل في المحافظة على النظام البيئي.