علي عبد الرحمن (القاهرة)
من المعتاد أن يتم تصوير الفيلم السينمائي في العديد من المواقع والأماكن، بل وفي مدن وبلدان كثيرة أحياناً، لكن هناك نوعية أخرى يتم تصويرها في موقع أو مكان واحد تدور فيه الأحداث يسمى في لغة السينما «لوكيشن»، وهذا يتطلب مهارات خاصة من السيناريو والحوار والتمثيل والإخراج وعناصر العمل.
تعتمد صناعة أفلام الموقع الواحد، على الحوار والشخصيات واختلافاتها الفكرية والاجتماعية والنفسية، والتي تكون اﻷساس الذي يحرّك الموقف الدرامي، وتتخذ من عنصر المكان نقطة ارتكاز للأحداث، ما يفسح المجال للمشاهد لمشاركة صناع العمل في الحدث والتركيز على الجانبين الإنساني والنفسي.
البداية
تتشاور هيئة محلفين أميركية مؤلفة من 12 شخصاً في غرفة مغلقة لتحديد مصير صبي عمره 18 عاماً، متهم من الدرجة الأولى بالقتل العمد لوالده، وعما إذا كان مذنباً أم لا، في وجود شهود وأداة جريمة، وينتظره حكم بالإعدام على الكرسي الكهربائي. هكذا تدور أحداث الفيلم الأميركي «12 رجلاً غاضباً»، المستوحاة أحداثه من مسرحية لـ«ريجنالد روز»، والفيلم صدر عام 1957، وكان أول الأفلام التي درات أحداثها في «موقع واحد».
تشويق
من أبرز هذه الأفلام «تصيد»، الذي يدور حول كاتب روايات جريمة، مصاب بهوس الألعاب وحل الألغاز، يدعو أحد الأشخاص إلى منزله ويعرض عليه مشاركته في خدعة تقودهما إلى نهايات مميتة، بطولة لورانس أوليفر ومايكل كين، وترشح لـ4 جوائز أوسكار وعُرض عام 1972.
وتدور أحداث فيلم «كابينة الهاتف» حول رجل دعاية وإعلان يقع بمأزق خطير خلال إجراء اتصال من كابينة عمومية، ويجد نفسه أمام قاتل مهووس، يجبره على لعبة ذهينة قاتلة، ليظل محاصراً داخل الكابينة، بطولة كولين فاريل وفورست ويتكر، وعُرض عام 2003.
أما سلسلة أفلام «المنشار» التي درات أحداثها في 9 أجزاء، فتدور حول إيقاع أحد الأشخاص بمجموعة من الغرباء في مكان واحد وتعريضهم للتعذيب ولا ينجون إلا عن طريق حل الألغاز التي يضعها لهم، وتؤدي كلها إلى الهلاك، والسلسلة مستوحاة من مسيرة قاتل مكسيكي، كان يملك غرفة تعذيب، وبلغ عدد ضحاياه 60 شخصاً، وحُكم عليه بالسجن لمدة 224 عاماً، بطولة توبين بيل وشاوني سميث، وعُرضت النسخة الأولي من السلسلة عام 2004.
وتدور أحداث فيلم «امتحان»، حول 8 أشخاص يتوجهون إلى إحدى الشركات بعدما تلقوا إعلاناً عن وظيفة شاغرة بمزايا خيالية، وفور وصولهم يتم إدخالهم إلى قاعة مغلقة ويواجهون امتحاناً غريباً يثير الريبة، ويفرض المراقب عليهم شروطاً صارمة ويطالبهم بالإجابة خلال 80 دقيقة، بطولة جيما تشان وناتالي كوكس، وعُرض عام 2009.
ويواجه 5 غرباء مصيرهم عندما يحاصرون في مصعد، ويموت الجميع عدا شخص واحد، في أحداث فيلم «الشيطان»، بطولة كريس ميسينا وجيفري اريند، وعُرض عام 2010.
خيال علمي
لعب الممثل الأميركي ديفيد لي سميث في فيلم «رجل من الأرض»، شخصية أستاذ جامعي يستعد للرحيل، ويقيم له تلاميذه حفل وداع في منزله، ويسعون إلى كشف أسباب رحليه، إذ يخبرهم بأنه يبلغ من العمر نحو 1400 عام، وينتمي لإحدى السلالات البشرية القديمة وينتقل كل 10 سنوات كي لا يلاحظ أحد عدم تقدمه بالعمر، بطولة وليام كات، وعُرض عام 2007.
وفي فيلم «القمر»، يتعاون رائد فضاء مع «روبوت»، يساعده في تنفيذ مهامه على القمر وإرسال مواد إلى الأرض لتقليل مشاكل الطاقة، وتحدث مفارقات ويصاب بالهلوسة والجنون، بطولة سام روكويل، وعُرض عام 2009.
ويناقش فيلم «جاذبية» مصير رائدَي فضاء بعد ارتطام حطام قمر اصطناعي بمكوكهما ويتسبب لهما في أضرار بالغة، وتصبح فرص نجاتهما معدومة، بطولة ساندرا بولوك وجورج كلوني، وعُرض عام 2013.
دراما إنسانية
وتناولت أفلام الموقع الواحد القالب الإنساني في العديد من الأفلام أبرزها «الغروب الجزئي»، ويدور حول رجلين يلتقيان في إحدى الشقق وتدور بينهما مناظرة حول الأديان وأهمية الحياة، بطولة صامويل جاكسون وتومي لى جونز، وعُرض عام 2011.
وتناول فيلم «المحطم»، قصة شخص محاصر في سيارته في قاع أحد الوديان، وليس لديه فكرة عن كيفية وصوله إلى هناك أو حتى شخصيته، وتكشف الحبكة السينمائية ببطء من خلال ذكريات الماضي أن هناك الكثير مما يحدث، بطولة أدريان برودي، وعُرض عام 2011
«127 ساعة»، رواية المغامر الأميركي أرون رالستون، الذي يحاصر في واد عندما تسقط صخرة على ذراعه، وبعد 5 أيام من إيجاد طريق للبقاء حياً، يتخذ قراراً صعباً لإنقاذ حياته بقطع ذراعه من أجل تحرير نفسه من الصخرة، وقد جسّده جيمس فرانكو في فيلم باسم الرواية عام 2010.
وفي العام نفسه صدر فيلم Buried، حول سائق شاحنة أميركية يعمل مقاولاً بالعراق عام 2006، حيث يستيقظ ليجد نفسه قد دُفن حياً في تابوت خشبي، وبداخله هاتف محمول يحاول الاتصال به، لكنه يفشل فيعتمد على نفسه ليبقى على قيد الحياة، بطولة الكندي رايان رينولدز. وتدور أحداث فيلم «المنصة» في سجن متعدد الطوابق، يتناول حياة المساجين والصراع الدموي، ومطلب التوزيع العادل للخيرات في قالب مأساوي، بطولة أنطونيا سان خوان وإيفان ماساغي، وعُرض عام 2019.
سينما عربية
كانت السينما العربية حاضرة في أفلام «الموقع الواحد»، قدمتها في 14 فيلماً على مدار تاريخها، أولها «بين السماء والأرض»، حول مجموعة من الأشخاص يتعطل بهم مصعد، ومع طول الانتظار يشعرون بالضيق وفقدان الأمل في النجاة، بطولة عبد السلام النابلسي وهند رستم، وعُرض عام 1959، وجاء بالترتيب الـ58 في قائمة أفضل 100 فيلم بتاريخ السينما.
وبعد 26 عاماً، جاء فيلم «أنا وأنت وساعات السفر»، حول سيدة تسافر بالقطار وتجمعها الصدفة بحبيبها السابق، ويدور بينهما حديث مطول حول الحياة، بطولة يحيى الفخراني ونيللي، وعُرض عام 1985.
وغام 1986 قدمت السينما المصرية فليمين الأول «البداية» حول سقوط طائرة في الصحراء، ويحاول الركاب التأقلم مع الوضع الطارئ، وشارك في بطولته أحمد زكي ويسرا، والفيلم الثاني «القطار»، حيث يتشاجر سائقه مع مساعده ويسير القطار من دون قائد وينذر الوضع بكارثة، وشارك في بطولته يوسف شعبان وميرفت آمين.
وبعد 22 عاماً، عاد قالب الموقع الواحد بـ8 أفلام، فمن خلال مجموعة أشخاص تجمعهم الظروف في ملهى ليلي مستهدف من جماعة إرهابية، تدور أحداث فيلم «كباريه» بطولة خالد الصاوي، وهالة فاخر، وعُرض عام 2008، وفي العام التالي قدم الصاوي فيلم «الفرح»، حول فرح شعبي يقيمه من أجل استرداد أمواله.
وحول المعاناة الحياتية، من خلال قصص مختلفة لركاب قطار بين الفقر والمرض والبطالة والهجرة خارج البلاد، يقع حادث يفيق عليه الجميع من غيبوبة دامية، في فيلم «ساعة ونص»، بطولة إياد نصار وكريمة مختار، وتم عرضه عام 2012.
وعام 2013 قدمت السينما فليمَي «فيلا 69» حول شاب منعزل عن عالمه بسبب هواجس، وشارك في بطولته أروى جودة ولبلبة، والـ«جرسونيرة» حول 3 أشخاص يواجهون العديد من المواقف التى تكشف طبيعتهم النفسية، بطولة منذر رياحنة وغادة عبد الرازق.
وحول حافلة شرطية تحمل مجموعة من المتظاهرين، يدور فيلم «اشتباك» بطولة أحمد مالك ونيللي كريم، أما فيلم «القرد بيتكلم» فيتناول قيام شقيقين بخدعة من أجل إطلاق سراح والدهما البريء من السجن، وشارك في بطولته أحمد الفيشاوي وريهام حجاج، وعُرض عام 2017.
«الركاب»
في فيلم «الركاب» تنتقل مجموعة من الأشخاص بمركبة فضائية لكوكب آخر بهدف استعماره، ليحدث خلل تقني يتسبب في إيقاظ اثنين من الركاب قبل موعد وصولهم بـ90 عاماً، ومع يأسهم في العوده إلى حالة الثبات مرة أخرى يحاولون التعايش مع المركبة التي لا يوجد فيها سوى الروبوت، بطولة كريس برات وجينيفر لورنس، وعُرض عام 2016.
«122»
آخر أفلام السينما العربية في الموقع الواحد «122»، حول قصة حب بين شاب من طبقة شعبية وفتاة من ذوي الهمم، يصابان في حادث أليم، ليبدآ مواجهة أسوأ كابوس في حياتهما، ويقضيان أوقاتاً مفزعة في المستشفى، بطولة طارق لطفي وأمينة خليل، وعُرض عام 2019.