خولة علي (دبي)
اعتاد الوالد علي عبد الله ألا يدخر جهداً في الحفاظ على الموروث المحلي، وتعريف الأجيال به. ويستعرض أهم مساعي الأهالي قديماً في البحث وابتكار وسائل تعينهم وتسهل عليهم ظروف حياتهم في ظل ندرة الأدوات والوسائل المعتمدة على الطرق التقليدية في حفظ وصناعة منتجاتهم الغذائية، ومنها التمور واستخلاص الدبس أو عسل التمر، عبر تشييد غرفة خاصة يُطلق عليها «المدبسة».
خالية من النوافذ
يعرّف الوالد علي عبد الله «المدبسة»، بأنها عبارة عن غرفة تخلو منها النوافذ، ولها مدخل واحد، وقد صُممت بشكل يمنع دخول الغبار والأتربة، حتى تبقى التمور نظيفة، حيث تُغلق بوابتها بإحكام حتى لا يدخل إليها الهواء. وعادة ما توضع التمور بعد أن تُفرز ويوضع الجيد منها في أكياس من الخوص، يُطلق عليها «يراب التمر». وبعد رص التمر فيها تقوم النسوة بحياكته وإغلاقه بشكل جيد فوق بعضه بعضاً، ويبدأ عمل «المدبسة» بانزلاق سائل التمر المسمى «دبساً» إلى الأخاديد التي في أسفل الجراب، ثم يصل إلى حفرة مبطنة بطين أملس، بحيث تكون خالية من أي تسريبات بعد امتلائها، ويقوم صاحب المزرعة باستخراج الدبس ووضعه في أوعية خاصة، وتستمر العملية حتى تفرغ التمور من الدبس تماماً.
«يراب التمر»
أوضح الوالد علي عبد الله، أنه عادة ما يتم ترك «يراب التمر» في غرفة المدبسة لمدة 3 أشهر، حتى يبدأ الدبس في النزول نتيجة الضغط والحرارة الكامنة في الغرفة، ويُستخدم الدبس شتاءً، نظراً لطبيعته الدافئة، ويُستخدم أيضاً في مواسم أخرى للتحلية في عدة أطباق شعبية، منها اللقيمات، وبعض أنواع الخبز، كالخمير والقروص والعيش المحمّر. ولا تتوافر المدبسة في كل البيوت حيث إن بعض الأهالي قد يتشاركون في مدبسة واحدة، ويمكن أن تتوزع في المزارع، نظراً لوجود أشجار النخيل، ما يستدعي تعدد تقنيات حفظ التمور لغذاء متوافر طوال العام.
طقوس صناعة الدبس
قال الوالد علي عبد الله، إن بعض الأسر ما زالت تحافظ حتى اللحظة على طقوس صناعة الدبس، وتقوم باستخراجه من التمور، للحفاظ على موروث حفظ الأطعمة الذي ابتكره الأهالي قديماً في ظل عدم وجود وسائل التبريد. ولكن اليوم اختلف الأمر مع توافر مصانع محلية في إنتاج الدبس وانتشاره في الأسواق، ومع ذلك فإن لذة العمل في صناعة الدبس لا يعرفها سوى من مارسها، واستشعر لحظة تدفق الدبس من جراب التمر في مشهد يعبر عن سعادة غامرة، تؤكد قيمة العمل المهني والحرفي.
مواد بنائها
عن مواد بناء «المدبسة» أشار الوالد علي عبد الله، قائلاً: قديماً كان يتم تشييد المدبسة من الجص والجندل، والجص عبارة عن حجر محروق كان يُستخدم في المباني قديماً، أما الجندل فهو أحد أنواع الأخشاب، وما لبثت أن تطورت المدبسة بعد دخول خامات البناء، فأصبحت تعتمد في بنائها على الطابوق والأسمنت، وتتكون أرضيتها من البلاط، ما يسهل تنظيفها، وقد شكل وجود المدبسة في الفريج نوعاً من التعاون وتكاتف الأهالي، والمشاركة في صناعة الدبس وتوزيعها على بعضهم.