خولة علي (دبي)
المجالس الرمضانية محطة لا غنى عنها في الشهر الفضيل، فهي جزء لا يتجزأ من قيم وعادات المجتمع المحلي، حيث دأب الأجداد والآباء على إقامتها، رغبة في توثيق صلة الأرحام وتبادل الأحاديث التي تعكس فضائل وروحانية الشهر الفضيل. هي من المظاهر التي تنتشر بين الأسر لتوثيق اللحظات الجميلة خلال اجتماع الأهل والأصحاب، والاستمتاع بصفوة اللقاء ومحبة الوصال. والمجالس الرمضانية ترسّخ التقاليد وتعزّز التواصل الاجتماعي خلال الشهر الفضيل.
تطوّر المجالس
يشير الاختصاصي الاجتماعي خالد الكعبي إلى أن المجالس الرمضانية نشأت منذ القِدم، حيث كانت الاجتماعات تقام في مجلس كبير العائلة، بعضها كانت قبل الإفطار وبعضها الآخر بعد صلاة التراويح للتواصل والزيارات العائلية بين الأسر أو القبائل الزيارات، من أجل تعرّف الأجيال على تقاليد المجالس، وإظهار قيم المودة والترابط بين العائلات أو بين القبائل. وكان للمجالس الأثر الكبير في نفوس الأفراد، لإرساء قيم التعاون بين الجميع، لتحقيق أهدافهم ومواجهة التحديات وحل المشكلات. وتتنوع القضايا التي تُناقش في المجالس على اختلاف الوقت وما يشهده من تغيرات، ففي السابق كانت تُثار قضايا السنع وتربية الأبناء والتعليم وشأن الأسر والمجتمع بشكل عام، ثم تنوعت حتى وصلت إلى قضايا التكنولوجيا والألعاب الإلكترونية، ومناقشة بعض الشؤون الاقتصادية والاجتماعية، وطرح بعض القضايا المتنوعة التي تلامس حياة الناس.
نشر الوعي
ويقول الكعبي: هناك مشاركات من قبل المؤسسات الرسمية وجمعيات النفع العام المعتمدة في إحياء هذه المجالس، يقدمها متخصصون لجذب أفراد المجتمع، وما يجعل التواصل بين أفراد المجتمع والمؤسسات سهلاً، كما تسعى المؤسسات إلى التعريف بخدماتها على مستوى المجتمع ككل، وتحديد الفئات المستفيدة من هذه الخدمات، ما يعزّز ثقة أفراد المجتمع فيها، وتعظيم دورها في خدمة المجتمع ونشر الوعي بالقضايا المختلفة، وتغليب مصلحة أفراد المجتمع في شؤون الحياة.
ويتابع: في السابق كان الجميع لديه الحماس للحضور، بسبب نمط حياة الأسر والارتباط الوثيق بين مرتادي المجالس.
روحانية وتسامح
ويؤكد الإعلامي الدكتور علي سالمين على أن المجالس الرمضانية في الإمارات جزء لا يتجزأ من تقاليد وثقافة المجتمع، لاسيما في الشهر الفضيل حيث تجتمع العائلات والأصدقاء لقضاء وقت مميز خلال تناول الإفطار الجماعي وأداء صلاة التراويح، وتبادل التحية والأحاديث. وهذه المجالس تسهم في إضفاء حالة من الروحانية والترابط الاجتماعي، وتعكس قيَم التسامح والتضامن في هذا الشهر الكريم، كما تشهد فعاليات ثقافية وترفيهية ومسابقات قرآنية، وورش عمل فنية للأطفال، ما يضفي أجواءً استثنائية لا تُنسى.
تبادل الخبرات
يرى سالمين أن المجالس الرمضانية في الإمارات تتيح فرصة لتبادل الخبرات بين أفراد المجتمع، فهي تحث على الخير والعطاء من خلال الأعمال الخيرية وتوزيع الإعانات على الفقراء، لتحقيق التكافل والتضامن بين أفراد المجتمع، وإذكاء روح العطاء التي تزداد في شهر رمضان. ويوضح أهمية المجالس الرمضانية في التواصل بين مختلف الجنسيات والثقافات، حيث يشارك الناس من خلفيات متنوعة، ما يعزز التواصل والاحترام المتبادل، ويجسد روح التسامح التي تتميز بها الإمارات.
طقوس
يشير د. سيف بن عبود، باحث في التاريخ، إلى أن فئات المجتمع المختلفة تقصد هذه المجالس بعد أداء صلاة التراويح، لتبادل الحديث حول مختلف الموضوعات التي تهم أفراد المجتمع، والحفاظ على العادات والتقاليد وصون التراث ونقله إلى الشباب والأطفال. وهي بمثابة منابر يلتقي فيها أبناء الحي والأصدقاء، موضحاً أن للمجالس طقوساً خاصة، تبدأ باستقبال الضيوف بالطيب، ثم احتساء القهوة العربية مع التمر، ضمن طقوس خاصة بـ«المقهوي» الذي يحمل دلة القهوة بيساره والفناجين بيمينه، ثم يصب القهوة للحضور بدءاً بالكبير، وبعد الانتهاء من احتساء القهوة يهز الضيف الفنجان بطريقة معينة، وهذه العادات والتقاليد جزء لا يتجزأ من طقوس كرم الضيافة في الإمارات، كما لا تخلو المجالس من الأطعمة ذات الطابع الشعبي والتراثي، خصوصاً في رمضان، ومنها اللقيمات والهريس والثريد والعيش مع اللحم والفواكه.