لكبيرة التونسي (أبوظبي)
عندما يستحضر الوالد عبدالله الشحي، طرق بناء «العريش» في المهرجانات التراثية التي يشارك بها، فإن حديثه لا يقتصر على أدوات البناء والمواد المستخدمة في هذه البيوت، وأسلوب حياة الأجداد الذين عاشوا فيها، إنما يسهم في تدريب الشباب والأطفال على البناء المستدام. وقال: «العريش» كان يقي الناس من شدة الحر، لما يتميز به من أجواء باردة نتيجة بنائه من مواد طبيعية، موضحاً أن طريقة بنائه فرصة لتثقيف الأجيال وتعليم النشء كيفية المساهمة في التنمية المستدامة.
حرفة متوارثة
ورث الشحي حرفة بناء العريش من أجداده، ومازال يمارس هذه المهنة حتى اليوم، ويتحمل مسؤولية نشرها في المهرجانات، ولا يدخر جهداً في تقريب الشباب من الصور الاجتماعية التي كانت سائدة في ذلك الزمن، حيث مظاهرالتعاون والترابط والمحبة في المجتمع المحلي. إذ كان السكان يتعاونون في بناء هذه البيوت كما كانوا يستقبلون الضيوف الوافدين من مناطق أخرى، والراغبين في قضاء فترة الصيف وسط البساتين وواحات النخيل.
قيم نبيلة
وأضاف الشحي أنه يعمل على نقل الموروث لأبنائه وأحفاده وأقاربه، ولزوار المهرجانات التي يشارك فيها، مستثمراً هذه الفعاليات الجاذبة للإضاءة على حياة الأوّلين في الماضي. وكيف كان «الفريج» يشهد تعاوناً بين الرجال والنساء، الذين يتشاورون ويتبادلون أطراف الحديث، ويطّلعون على أحوال الصيد ومناقشة أمورهم وأحوالهم. وأشار إلى أن «العرشان» تميزت بوجودها على الساحل أو وسط النخيل، واقترن «بيت العريش» في ذهن الشحي بالقيم النبيلة، باعتباره عنواناً للخير والقناعة، ومصدراً لحكايات الجدات، داخل هذا الصرح الذي يجمع الناس ممن يأتونه محملين ببضائع وتوابل وأقمشة الحرير لبيعها بهدف الحصول على السمك المالح والتمر والليمون والبيض والدجاج، وسواها من خيرات «الفريج».
«مجرد»
ذكر الشحي أنه يحرص على تعليم الشباب طرق بناء «العرشان» لتعريفهم بأسلوب الحياة في السابق، وقال: كنا ننتظر القادمين من الشارقة ودبي، وهم يجلبون معهم القهوة والسكر والملابس والبهارات، وكنا نستقبلهم بحفاوة بالغة، لينخرط الجميع في مساعدتهم في بناء «العريش»، وكنا نبني «العرشان» بالاتفاق معهم، بحيث يجدونه جاهزاً وبمقاسات مختلفة حسب عدد أفراد الأسرة. ومنه ما يتضمن أكثر من غرفة ومساحة داخلية وحمام وحوش. وكانت البيوت في الصيف عبارة عن «عرشان» بفتحات بين النخيل لتمرير الهواء، ويطلق عليها «عريش مجرد»، أي غير مغطى بالخوص، بينما تكون متراصة ويسترها الخوص في الشتاء للحماية من البرودة، والحفاظ على الخصوصية.
صور من الذاكرة
أشار الوالد عبدالله الشحي، إلى أن الحياة الاجتماعية والاقتصادية في منطقة دبا القائمة على التعاون والمحبة والجيرة الطيبة، جذبت الناس إلى بساتين النخيل والفواكه ذات الرائحة الفواحة، حيث تختزن ذاكرته صوراً كثيرة عن الحياة قديماً، حين كان الناس يأتون إلى المنطقة من كل مكان بحثاً عن اعتدال الطقس وحفاوة الاستقبال، وطيب العيش بين الأهالي ممن يعتبرون القادم إليهم واحداً منهم.