لكبيرة التونسي (أبوظبي)
ضمن أجواء تاريخية وثقافية عريقة، يحتفي «مهرجان الحصن» بـ«الصقارة» باعتبارها جزءاً أصيلاً من تراث الإمارات تتوارثه الأجيال عبر الزمن، وتمثل إرثاً ثقافياً وتراثياً وتاريخياً ارتبط بالأجداد، وشكل جزءاً أساسياً من حياتهم، في مشهدية حية تنقل الزوار إلى عادات وتقاليد وطقوس ممارسة رياضة الصقور، وما يرافقها من مشاهد مجتمعية، كالشعر والربابة والقهوة، وسواها من الصور التي جعلت الضيوف ينغمسون في تجربة متكاملة في قلب الصرح التاريخي «قصرالحصن».
ذاكرة شعبية
يستحضر «مهرجان الحصن»، الذي تنظمه دائرة الثقافة والسياحة – أبوظبي، ويتواصل حتى 28 يناير الجاري وسط العاصمة، ثقافة أبوظبي وتراثها الغني، ومنها «الصقارة» المسجلة كتراث إنساني وثقافي عالمي يخص البشرية في «اليونسكو» منذ عام 2010، تحت عنوان «مقناص»، كما يضم المهرجان العديد من الفعاليات الثقافية والعروض الفنية والموسيقية والسينمائية والمنصّات وعروض الأداء والصور المجتمعية، التي ارتبطت بالذاكرة الشعبية الإماراتية ضمن منطقة متكاملة تضج بالصور والمشاهد التي تؤصل هذا الموروث، وتنتشر بها الجلسات واستوديو التصوير ومدرسة تعليم الصقّارة وركن القهوة العربية والأعمال الفنية والمعرض التاريخي «انطلق الصيد» الذي افتتحته الدائرة ديسمبر الماضي، ويتواصل حتى مارس المقبل، مع أنشطة تضع الزوار في قلب الحدث.
شغف متوارث
قالت عائشة حسن خانصاحب، مدير قسم قصر الحصن بالإنابة، إن هذه التجربة المتكاملة تندرج ضمن «مهرجان الحصن»، وتشهد تنظيم العديد من الفعاليات في موقع الحصن الثقافي، الذي يشكل جزءاً فعالاً من الحدث الكبير، ونستلهم مختلف الفعاليات من روح الثقافة والتراث والعادات والتقاليد والتاريخ الإماراتي، وهذه السنة نحتفي بالصقارة والقنص، للترويج لمعرض «انطلق الصيد»، الذي يسلّط الضوء على الصقارة، كأسلوب حياة لأجدادنا حيث مارسوا هذه الرياضة في الماضي، والتي تستمر بنفس الشغف وتنتشر بين مختلف الأجيال، كباراً وصغاراً، مشيرة إلى أن «مقناص» يتناول تربية الصقر وكيفية تدريبه، ويقدم برنامجاً حافلاً ضمن تجربة متكاملة للزوار للتعريف بالصقارة واكتسابهم المهارات المرتبطة بها.
قيم أصيلة
وأضافت خانصاحب أن معرض «انطلق الصيد» يحتفي بـ«الصقارة» باعتبارها جزءاً من الهوية الوطنية، ومن نهج المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، ليستكشف الزوار تاريخ الصقارة وأهميتها الثقافية في دولة الإمارات كرمز يرتبط بالقيم العربية الأصيلة كالصبر والفراسة والفطنة والقناعة،. ويتمحور المعرض حول تاريخ الصقارة، وممارسة هذه الرياضة قديماً وحديثاً، وأهمية الصقر كرمز ومصدر إلهام للمبدعين والشعراء، لما يرمز إليه من قوة وفخر واعتزاز، كما يعكس الجذور الثقافية الراسخة والتطلعات نحو التطور والحداثة.
«الوكر»
بين استعراضات الصقور والجلسات الخارجية وصوت الربابة والمؤثرات الصوتية ورائحة القهوة العربية، يقف العمل الفني «الوكر» شامخاً، وهو عمل إبداعي للفنان الإماراتي عبدالله الملا، ويسلط الضوء على أهمية الصيد بالصقور في الإمارات، وهو عبارة عن قطعة فنية ضخمة تعكس أهمية الصقارة في ثقافة وتاريخ الإمارات وتجسد العلاقة العريقة بين الصقر وصاحبه، وتبرز جمال وأهمية هذه الرياضة التراثية في حياة الإنسان الإماراتي كإرث ثقافي عريق.
زخم ثقافي
وأضافت خانصاحب أن الفعاليات مستلهمة من موروثنا وثقافتنا المرتبطة بحياة البداوة، حيث يمثل الصقر رمزاً ورفيقاً في المجالس وملهماً للشعراء، موضحة أن هذه الفعالية التفاعلية، تتكون من جلسات الربابة والتغرودة وبيت القهوة، وجلسات لاستمتاع الزوار بجمال القصر، وكلها مكونات تعكس أسلوب حياة المجتمع قديماً في الإمارات، إلى جانب «المتجر» الذي يعرض منتجات مستلهمة من تاريخ قصر الحصن ورياضة الصقور، منها لعبة برقع الطير، ومدرسة الصقارة وهي تجربة تستقطب الأطفال من 6 إلى 18 عاماً، لتعلّم فنون الصقارة وذلك من خلال ورش تقدمها عفراء الخيلي، لكسر حاجز الخوف بين الطفل والصقر، والتعريف بالتراث وترسيخه في نفوسهم، إلى جانب جلسات التصوير في الحصن، ضمن «جلسة المقناص» والتي تسمح للزوار بالتقاط صور مع الصقر بأزياء تقليدية جميلة.
بيت القهوة
وتكتمل الصورة في «بيت القهوة»، حيث يستمتع الزوار بارتشاف فنجان قهوة عربية على يد شباب إماراتيين، يعكسون قيم الضيافة الإماراتية، وهي تجربة جميلة مرتبطة بالقنص وجلسات البر. وبيت القهوة هو تجربة ثقافية أصيلة تتضمن محاكاة نموذجية لتقاليد وطقوس تحضير القهوة العربية، وتقديمها للضيوف، وتعد القهوة جزءاً من التقاليد الاجتماعية وتعبيراً عن كرم الضيافة توارثته الأجيال على مدى قرون طويلة، ولا تقتصر أهميتها على الاحتفاء بالضيف وتكريمه فحسب، بل هي أيضاً رمز لقوة الروابط الاجتماعية والسياسية والثقافية، التي شكّلت ملامح المجتمع الإماراتي.
«الصقّارة عوشة»
يستمتع زوار «مهرجان الحصن»، ضمن فعالية «سينما في القصر»، بفيلم «الصقّارة عوشة المنصوري» الوثائقي القصير، والذي يصور عائشة المنصوري وابنتها عوشة أثناء استكشافهما للصحراء، وممارسة الصيد بالصقور، حيث يركز الفيلم على عوشة كأصغر صقارة في هذه الرحلة الفريدة، متغلبة على كل التحديات.
مراحل القهوة
في «بيت القهوة» يتم تسليط الضوء على مراحل تحضير القهوة، بدءاً من التحميص والتبريد والطحن، مروراً بمرحلة الغلي والتخمير وإضافة النكهات المميزة، وانتهاء بطريقة التقديم. ولكل مرحلة من هذه المراحل طريقة معينة وأدوات تقليدية خاصة بها، كما تحكمها آداب اجتماعية تنفرد بها دولة الإمارات.