لكبيرة التونسي (أبوظبي)
وسط إقبال جماهيري كبير، استهلَّ «مهرجان الحصن» أمس، فعالياته بالأهازيج التراثية والصور المجتمعية الحية التي تلامس القلوب، وبالأنشطة والفعاليات المشوقة التي تبرز القيم السامية التي يقوم عليها التراث الإماراتي من كرم وضيافة وشجاعة وترابط اجتماعي، في مشهدية حية تنمي الفخر والاعتزاز بالجذور العميقة، وتحفظ الموروث وتؤكد قيمته وأهميته لدى الأجيال، وتأثيره على الحياة المعاصرة.
نابض بالحياة
يحتفي «مهرجان الحصن»، الذي يتواصل حتى 28 يناير الجاري في موقع الحصن التاريخي، بتراث أبوظبي وثقافتها النابضة بالحياة، حيث يقدم هذا الحدث الكبير، الذي تنظمه دائرة الثقافة والسياحة – أبوظبي، للزوار برنامجاً مشوقاً يجمع بين التثقيف والفنون والترفيه، عبر باقة من الورش التفاعلية والأنشطة التقليدية، وتجارب الطهي الحي، والعروض الموسيقية الشعبية والعصرية، وبرنامجاً ملهماً للعادات والتقاليد، ابتداءً من استقبال المولود إلى طقوس الحناء والمتاحف والسوق القديم وعروض المبدعين المعاصرين، ضمن فرصة لإلهام الشباب وتعزيز إبداعاتهم المستوحاة من الموروث.
مسرح مفتوح
وساهم هذا الحدث الكبير في جعل قلب العاصمة أبوظبي، مسرحاً مفتوحاً وساحة تفاعلية، حيث الفرق الموسيقية، واستعراض الصقارة والإبل، فيما تتعالى أصوات فرح استقبال المولود في عرض تمثيلي يسلّط الضوء على عادات وتقاليد استقبال طفل في العائلة، ضمن طقوس يؤديها ممثلون في خمسة مشاهد حية.
إلى ذلك قال محمد سعيد السلطي مخرج مسرحي، إن المشاهد تسلط الضوء على طقوس التجهيز لاستقبال المولود وشراء الهدايا التي تقدمها أم العريس لزوجة ابنها، ومشاهد العرض تبدأ من تحول العروس إلى بيت والدتها في آخر أيام الحمل، لإقامة حفل استقبال المولود، ثم العودة إلى بيت زوجها بعد أربعين يوماً.
عُرس مُلهم
وضمن كرنفال احتفالي وعُرس ثقافي وتراثي ملهم للجميع، خاصة الشباب، يتفاعل الزوار مع أنشطته المتنوعة من مختلف الجنسيات، بالتعرف عن قُرب على الثقافة والتراث الإماراتي، واكتشاف الطرق التي يتم بها إعادة تقديمه من قبل الحرفيين والفنانين والموهوبين في دولة الإمارات، فقد وجد مجموعة من الفنانين الشباب عبر المهرجان، فرصة لرسم لوحات مستوحاة من الموروث، إذ عكفوا على رسم إبداعاتهم بشكل حي أمام الزوار، الذين يتابعون أيضاً حركة الحرفيات ضمن ورشهن التفاعلية.
السوق القديم
كما يتيح المهرجان لزواره فرصة الاستمتاع بمجموعة واسعة من منتجات العطور والأكسسوارات والبخور والأزياء التراثية والأواني وغيرها، ضمن السوق القديم المستوحى من «الفرجان»، الذي يعرض مجموعة واسعة من القطع الفنية، في نسخة طبق الأصل من الحي السكني التقليدي في المجتمع الإماراتي القديم، وذلك عبر تصميم يحاكي الأزقة السكنية الضيقة التي كانت تفضي إلى السوق الشعبي، حيث الدكاكين - والمتاجر، والورش التقليدية التي تُوفر تجارب تراثية لصناعة الدخون، حيث قالت المشاركة خديجة الطنيجي صاحبة «المرتعشة»، إنها تحرص على المشاركة في مهرجان الحصن لما له من مكانة تاريخية وثقافية كبيرة في الدولة، مشيرة إلى أنها تشارك بمجموعة كبيرة من العطور والبخور والمشغولات اليدوية التي أعدتها خصيصاً للمهرجان.
نقش الحناء
ووسط تفاعل جميل، ضمن فعالية يقدمها بيت الحرفيين هذا العام، بعنوان «الروايب»، تظهر جلية، مساحة مخصصة لتصميم الحناء المصممة بطريقة إبداعية، وتستقبل الزوار لتعريفهم بالجوانب التاريخية والفنية والثقافية لهذا الموروث الأصيل وأهميته في الثقافة الإماراتية، وفي هذه المساحة تتمكن السيدات من تزيين أيديهن بتصاميم الحناء المميزة، ضمن عرض حي لمجموعة من السيدات اللاتي يستعرضن طرق جني الحنة وتجفيفها ودقّها وتجهيزها لتخضيب الأيادي وتزيينها عبر النقوش القديمة، وفي هذا الصدد، قالت لطيفة الشامسي، اختصاصي أول برامج «بيت الحرفيين»، إن مشاركتنا في المهرجان هذه السنة، تأتي تحت عنوان «الروايب»، وهي مختصة بحرفة الحناء وكل ما يتعلق بطقوسها وعاداتها ومنتجاتها، كما أن هناك حرفيات يتحدثن عن تاريخ شجرة الحناء وموطنها الأصلي، والمعدات المستخدمة في إعداد وطقوس نقش الحناء، وغيرها.
«البازار»
فيما تستقطب منطقة «البازار» بمهرجان الحصن، عشاق الملابس العصرية والعطور والورد والحلويات ومختلف الأدوات المستوحاة من الموروث في تمازج بين التقليدي والعصري، فيما يشكل سوق المزارعين فرصة لللتعرف على ما تنتجه الإمارات من خضراوات وفواكه طازجة وعضوية، ضمن مساحات توفر خيارات كبيرة لجميع فئات المجتمع من ترفيه وتثقيف.
«حداء الإبل»
ضمن أجواء تفاعلية، يتعرف الزوار على الإبل، حيث يتمكن الصغار والكبار من خوض تجربة ركوب الجمال، مع التعرف على أهميتها وارتباطها بتراث الأجداد، إضافة إلى عروض «حداء الإبل»، وهو أحد أشكال التعابير الشفهية التقليدية ووسيلة للتواصل بين الإبل وراعيها، وكانت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة «اليونسكو» قد أدرجت هذا العنصر الثقافي ضمن قائمتها التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للبشرية، أما عروض المطايا، فهو عرض يومي يجمع بين الشعر الإماراتي التقليدي والأناشيد والإبل، ويستقطب الزوار للتعرف على حياة الأجداد ضمن البيئة الصحراوية، كما يستمتع الزوار صغاراً وكباراً أيضاً برياضة الصقور وحملها والتقاط الصور معها، وملاطفة السلوقي، فضلاً عن عروض تفاعلية حية لصناعة السدو، والزبدة، والقهوة العربية.
إلهام وابتكار
يعزز مهرجان الحصن استراتيجية أبوظبي للصناعات الثقافية والإبداعية، ويلعب دوراً فعّالاً في تعزيز الحضور الثقافي العالمي لإمارة أبوظبي، ودفع عجلة النمو الاقتصادي والثقافي، عبر عرض مجموعة متنوعة من المشاريع الإبداعية، فالمهرجان يُعد بمثابة منصة حيوية للمبدعين والمهتمين بالفنون الثقافية، للتفاعل مع عالم الأعمال ورؤى المستهلكين، ضمن بيئة نابضة بالحياة، ومناخ مثالي للإلهام والابتكار والأفكار الجديدة.