اكتشف الفرنسي خالد الميلودي، خلال الأعوام التسعة والعشرين التي أمضاها وراء قضبان السجون الفرنسية، لتورطه في السرقة، أن الشِعر يمكن أن يكون خشبة الخلاص له. وهو يحرص اليوم باستمرار على أن يُطلع السجناء الآخرين على تجربته درَجَ الميلودي على التردد إلى السجن المخصص للحبس الاحتياطي في "كوربا"، بالقرب من مدينة "ليون"، مع أنه لم يمكث يوماً وراء قضبان زنزاناته.
استعادته الرجل، البالغ 63 عاماً، حريته منذ عام 2021. لكنه ما يزال يتردد على السجون.
في غرفة مزيّنة بصور الكتّاب، يجلس نحو عشرة سجناء على شكل حلقة، وينصتون إلى ما يقوله الميلودي بصمت مطبق. ويعلّق أحدهم واصفاً الرجل بأنه "واثق من نفسه"، إذ يدرك أن "مسيرته المضطربة" توفّر له "صدقية" تسهّل له التأثير في المستمعين إليه.
يروي الميلودي خلال هذه الزيارة أن كل الظروف الإشكالية اجتمعت منذ البداية في حياته لتقوده إلى ما وصل إليه ومنها "عنف الأب" وإيداعه "لدى عائلة مضيفة"، وتوجهه إلى "الملاكمة" وهو بعد مراهق...
ويقول "عندما كنت صغيراً، كنت غاضباً ومستاءً، وكانت لديّ غريزة بقاء قوية". وأدى هذا المزيج إلى ما يصفه بـ"أول خروج عن الطريق"، إذ حُكم عليه عندما كان في التاسعة عشرة بالحبس لمدة عام بعد شجار.
وفي سجن "فلوري ميروجي"، تعرف على مع لصوص أكبر منه سناً وتبنّوه. ويقول "في ظل النقص العاطفيّ لديّ، كنت أبحث عن عائلة، واعتقدتُ أنني وجدت واحدة".
عند إطلاق سراحه، التقى رفاق السجن السابقين في إحدى المقاهي، فبدأت "مرحلة ثانية من حياته، حافلة بأعمال السطو، وبذهاب وإياب مستمرين إلى السجن ومنه"، وبقيت الحال على هذا المنوال سنوات عدة، وُلد خلالها أبناؤه الستة.
- "معجزة"
وفي عام 2007، دانه القضاء بمهاجمة مركبة لنقل البضائع في باريس وبعملية سطو تخللها إطلاق نار على عناصر شرطة في مدينة "روان". وحُكِم عليه بالسجن 30 عاماً، أي أنه كان ليمضي بقية حياته وراء القضبان إذ كان في السابعة والأربعين.
وصُنّف الميلودي من السجناء الذين ينبغي إخضاعهم لرقابة مشددة، وأودِع أقساماً من السجن مخصصة لهذه الفئة، وراودته فكرة الانتحار، لكنّ الغلبة في نهاية المطاف كانت للرغبة في الحياة، واتجه إلى الكتابة التي لم يسبق له أن مارسها.
ويروي "أنا الذي لم أكن راجعتُ ضميري يوماً، بعد أن بكيتُ كثيراً، بدأتُ بكتابة قصائد عن سيرتي الذاتية".
في أبيات قصائده، أجرى تشريحاً لما عاناه في بيته من "وحشية" والده.
كذلك أجرى بالشعر نقداً ذاتياً لما اتخذه من "خيارات سيئة" ولما عاناه في السجن، وشيئاً فشيئاً، شعر بأنه يتعافى.
ويشدد على أنه لا يعتبر نفسه "ضحية"، بل "شخصاً حصلت له معجزة". ويضيف "لهذا السبب، أستطيع العودة إلى السجن: لقد تحررتُ من غضبي".
بعد إطلاق سراحه في يناير 2021، انتقل إلى العاصمة الفرنسية باريس. وعمل لمدة عامين كسائق توصيل، وروى حياته في كتاب بعنوان "ألوان الظل" صدر عام 2022.
وهو اليوم يتلو قصائده على خشبة المسرح مع عزف مُرافِق على البيانو، ويأمل في أن ينشر قريباً ديواناً شعرياً بعنوان "الكلمات تحت الجلد". والأهم أنه يدير ورش عمل للسجناء والشباب الذين يواجهون صعوبات أو تلاميذ مدارس ثانوية لمساعدتهم في "العثور على خشبة خلاصهم".