تُسجّل في آسيا وأوروبا عودة ملحوظة بعد غياب لبكتيريا المفطورة الرئوية التي تؤدي إلى التهاب الجهاز التنفسي وخصوصاً لدى الأطفال، إذ تشهد هاتان المنطقتان من العالم موجات وبائية دفعت السلطات الصحية والعلماء إلى الدعوة لتوخي الحذر من دون هلع.
ما هي المفطورة الرئوية (أو الميكوبلازما الرئوية)؟
هذه البكتيريا، المعروفة من العلماء، تنتمي إلى عائلة المفطورات (الميكوبلازما)، وتتسبب في الالتهاب الرئوي. وتُعدُّ العامل البكتيري الأكثر تسبباً، بعد المكورات الرئوية، بالالتهابات الرئوية الحادة في المجتمع.
ومن الأعراض الشائعة للإصابة بها السعال والحمى وصعوبات التنفس.
وإذا كان الأطفال والشباب الأكثر عرضةً للإصابة بهذه البكتيريا، فهي يمكن أن تطال كل الفئات العمرية.
تنتقل البكتيريا بواسطة الرذاذ، أو المخالطة اللصيقة. وتستمر فترة الحضانة عموماً ما بين أسبوع وثلاثة أسابيع.
ومع أن الإصابات بعدوى الميكوبلازما الرئوية تحصل على مدار العام، قد تكون أكثر شيوعاً في الصيف والخريف.
ما حجم الزيادة؟
قبل جائحة كوفيد، كانت هذه البكتيريا تتسبب بموجات وبائية دورية تحصل كل ثلاث إلى سبع سنوات تقريباً، وتعود آخرها إلى نهاية عام 2019 - مطلع 2020 في دول عدة، وخصوصاً في أوروبا وآسيا.
عادت المفطورة الرئوية إلى الظهور هذا الصيف، وتسارع تفشيها على نحو ملحوظ منذ بداية الخريف.
جاء الإنذار الأول من الصين، حيث أفيد عن زيادة كبيرة خلال الأسابيع الأخيرة في حالات التهابات الجهاز التنفسي، ومنها المفطورة الرئوية. كذلك لاحظت دول آسيوية أخرى، مثل كوريا الجنوبية، ارتفاعاً مماثلاً.
وفي أوروبا وفرنسا والدول الاسكندنافية وهولندا وإيرلندا، أفيد أخيراً عن زيادة في هذه الإصابات.
وأوضحت الهيئة الصحية الفرنسية، الخميس، أن عدد الحالات في فرنسا، حيث تتفشى المفطورة الرئوية بشكل أكبر "منذ بداية الخريف"، تجاوز الإصابات التي سجلت عام 2022 وكذلك عام 2019، أي أن الوضع بلغ درجةً "وبائية".
وفي الدنمارك، تمثل الحالات الـ541 المسجلة الأسبوع الفائت أكثر من ثلاثة أضعاف العدد المسجل قبل خمسة أسابيع، مما يدل على بلوغ "مستوى وبائي"، بحسب هيئة "إس إس آي" الصحية.
لماذا؟
رأى بعض العلماء أن تفشي هذه البكتيريا، كما الجراثيم الأخرى، هو من تداعيات التوقف عن تطبيق إجراءات التباعد والحماية المضادة لجائحة كوفيد.
وقالت سيسيل بيبيار رئيسة قسم علم الجراثيم في مستشفى جامعة بوردو في فرنسا "كنا نتوقع هذه العودة. فمنذ أربع سنوات على الأقل، لم تسجّل إصابات بالميكوبلازما الرئوية. وقد فوجئنا كثيرا لعدم معاودة هذه البكتيريا الظهور، في حين أن الفيروسات (كالإنفلونزا والفيروس المخلوي التنفسي..) وغيرها من البكتيريا انتشرت مجدداً".
واعتبر عدد من أعضاء المجموعة الأوروبية لمراقبة عدوى المفطورة الرئوية، في مقال نشرته مجلة "لانسيت ميكروب"، أن "تأخر معاودة الظهور لافت للانتباه، إذ حصلت بعد مدة طويلة من انتهاء العمل بقيود احتواء كوفيد" في عدد من البلدان.
وبالإضافة إلى احتمال أن تكون المناعة الجماعية من هذه البكتيريا انخفضت منذ تفشيها الأخير، شرح العلماء أن للميكوبلازما الرئوية ميزة خاصة تتفرد بها. وأوضحت سيسيل بيبيار أنها "بكتيريا ربما تكون أقل قدرة على الانتقال من الفيروسات الأخرى، أو حتى من أنواع بكتيريا الجهاز التنفسي الأخرى، وتتكاثر ببطء".
ما الخطر؟
في معظم الأحيان، تكون عدوى الميكوبلازما الرئوية حميدة.
وتشخص بعد استبعاد الأسباب الأخرى، كالتهاب القصيبات، أو الإنفلونزا، أو كوفيد، أو الالتهاب الرئوي الأكثر خطورة. وفي بعض الحالات، قد يُجرى اختبار "بي سي آر" للتأكد من احتمال وجود أسباب أخرى عدة.
وقد تؤدي بعض المضاعفات النادرة للميكوبلازما الرئوية (تفاقم الربو، وسوى ذلك)، أو مختلف تجلياتها (الجلدية والعصبية وسواها) دخول المستشفى، وأحياناً العناية المركزة. وهذا ما حصل مع أطفال في الأسابيع الأخيرة، وكذلك بعض البالغين.
ما العلاج؟
أكدت منظمة الصحة العالمية، في بيان عن التهابات الجهاز التنفسي، أن المفطورة الرئوية "تُعالَج بسهولة بالمضادات الحيوية". وخصوصاً" الماكروليدات"، ومنها دواء "أزيثروميسين".
ومع ذلك، ينبغي الانتباه إلى مراقبة وجود مقاومة للمضادات الحيوية، وخصوصاً أنها قد تزيد مع الموجة الحالية.