شعبان بلال (القاهرة)
قصر «الجم» في تونس يصل عمره إلى 1800 عام، شيده الرومان في عام 238م، ليكون أحد أهم المدرجات أو «كولوسيوم» في العالم، بعد أن صمد في وجه الطبيعة والصراعات.
ويقع القصر في مدينة «الجم» الصغيرة التي تتبع ولاية المهدية المطلة على الساحل الشرقي لتونس، ورغم مرور كل هذه السنين، فإنه لا يزال يحتفظ بمعالمه المتميزة، خاصة حلبة المصارعة الرومانية الشهيرة للأسرى والجيوش والحيوانات المفترسة من نمور وأسود وغيرها، وأدرجته منظمة اليونسكو في قائمة التراث العالمي العام 1979.
عُرف قصر أو مدرج الجم بين السكان المحليين باسم قصر «الكاهنة»، نسبة للكاهنة «ديهيا بنت تابنة» التي اشتهرت بلقب كاهنة البربر، وهي قائدة خلفت الملك كسيلة زعيم قبائل أوربة وصنهاجة الأمازيغية زمن الفتح الإسلامي للمغرب، وحكمت شمال أفريقيا 35 سنة.
وتشير الروايات التاريخية إلى أن الإمبراطور الروماني غورديان الثاني الذي قاد انتفاضة على إمبراطور روما في ذلك العصر هو من أمر ببناء المسرح، ليكون صرحاً رومانياً يضاهي في العظمة والمساحة نظيره في عاصمة الإمبراطورية، إذ يعد أكبر مسرح روماني في العالم، بعد كولوسيوم روما ومسرح كابوا ومسرح بُوتِسْوُولِي، وهو على حالة جيدة.
تبلغ مساحة قصر الجم الروماني ما يقرب من 18 ألف متر مربع، وطوله 148 متراً، وعرضه 122 متراً، وحلبته 2535 متراً، وتسع مدرجاته قرابة 35 ألف متفرج، ويصل ارتفاع واجهته إلى 36 متراً.
ويوجد تحت حلبته رواقان عريضان كان يدخل منهما الممثلون والفرسان والمصارعون من أسرى الحرب والسباع الضارية، يصلهما الضوء من الفتحة الوسطى للحلبة، حيث كان المصارعون والوحوش يؤسرون في غرف تحت الحلبة، ليتم إطلاقهم في الأعياد والمناسبات الضخمة، والتي تشهد إقبالاً جماهيرياً كبيراً من الشعب والنبلاء.
بعد مرور هذه السنين تحول قصر الجم من حلبة قتال دموية بين الأسرى والوحوش في العصر الروماني إلى مسرح عالمي يرتاده فنانون وموسيقيون عالميون من أنحاء العالم في وتقام مهرجانات سنوية لأهم الفرق من سيمفونيات وفرق موسيقى الجاز.
ويجذب قصر الجم محبي التاريخ والثقافة والفنون، لما يحتويه من قطع أثرية نادرة والحفريات التي اكتشفت به وأهمها منزل أفريقيا الذي به الكثير من قطع الفسيفساء التي تصور الحياة اليومية لسكان روما وطرق معيشتهم.