أبوظبي (الاتحاد)
باستمرار، ينظر البعض إلى السوشيال ميديا باعتبارها وسائط للترفيه والتسلية، ضررها قد يكون أكثر من نفعها.. غير أن تلك المنصات تكشف في وقت الأزمات عن وجه آخر لها، ربما يعجز كثيرون عن التقاط ملامحه وهم يمضون الساعات الطوال أمام الشاشات لمتابعة كل ما قل وزنه وخف مضمونه.
في مواجهة الكوارث الطبيعية أثبتت فيسبوك وإكس وإنستغرام وتيك توك، قدراتها الفائقة على تقديم يد العون بطرق شتى ومتنوعة، وكلها فعالة جداً مقارنة بأداء وسائل الإعلام التقليدية. فالصحف ومحطات التلفزيون والإذاعة، تبدو أمام التجليات العنيفة لغضب الطبيعة، كالزلازل والفيضانات والسيول والبراكين وحرائق الغابات، كالديناصورات. قد تمر ساعات طويلة على وقوع الكارثة، قبل أن تستجمع شتات أفكارها، لتحاول في وقت متأخر بدء تغطية حقيقية، من أرض الواقع .. لكن - في الواقع - ستأتي معظم التغطيات من الاستوديو أو عبر الهاتف، وعلى الأرجح مع خبراء أو معلقين أو مسؤولين، هم أنفسهم عاجزون عن الوصول إلى موقع الأحداث.
على النقيض من ذلك، تثبت السوشيال ميديا، كم هي سريعة جداً وفعالة للغاية وبالغة الرشاقة والنفاذ، في تغطية الكارثة وقت وقوعها مع متابعة تداعياتها لحظة بلحظة. تفعل المنصات الجديدة ذلك، بطريقة تلقائية للغاية، من دون فزلكة أو غطرسة تطبع أحياناً عمل المحترفين. إنها السلاح الأول الذي يلجأ إليه الناجون لطلب النجاة أو البحث عن أحباء، فقدوا أثناء زلزال أو حريق أو فيضانات وسيول، أو لتسجيل أبعاد المأساة حين وقوعها.
لكن، ليت الأمر يتوقف عند هذا الحد.. كشف العلماء مؤخراً إمكانيات أكبر للسوشيال ميديا في مواجهة الكوارث الطبيعية، بدعم من الذكاء الاصطناعي. وجد الباحثون أن الصور الملتقطة من مواقع الكوارث والتي يتم تبادلها عبر منصات التواصل الاجتماعي، يمكن أن تساعد في التعرف على حقيقة الوضع على الأرض والتعامل بسرعة وكفاءة مع التداعيات، خاصة فيما يتعلق بجهود الإغاثة والإنقاذ.
أجرى باحثون من عدة جامعات دراسة معمقة في معامل معهد ماساتشوستش للتكنولوجيا في الولايات المتحدة. استخدموا أكثر من مليون صورة تم التقاطها لبعض الكوارث الطبيعية وحوادث أخرى بفعل البشر مثل حوادث السيارات وحرائق البيوت، بهدف تدريب نظام للذكاء الاصطناعي على التعرف على الكوارث والحوادث بسرعة تلقائية.
في الظروف العادية، يجد الباحثون صعوبة في التعامل مع صور الأقمار الصناعية. فعوامل طبيعية كثيرة، مثل السحب والغبار، لا تساعد الباحثين في التعرف على حقيقة ما جرى على الأرض، كما أن محاولة تحليلها تستغرق وقتاً طويلاً يجعلها مكلفة وغير فعالة.. بعكس الصور المتداولة عبر السوشيال ميديا.
نجح الباحثون في تدريب أدوات الذكاء الاصطناعي على مجموعة واسعة من البيانات الضخمة من أجل أتمتة معالجة المعلومات لاكتشاف تفاصيل وأبعاد الكوارث بمجرد فحص صور السوشيال ميديا.
قالت المؤلفة الرئيسية للدراسة أجاتا لابيدريزا، رئيسة مختبر الذكاء الاصطناعي لرفاه الإنسان في مركز الصحة الإلكترونية، في برشلونة، إن الدافع لأبحاثهم هو الحاجة الملحة التي تحتاج بها المنظمات الإنسانية لترتيب جهود الإغاثة خلال الكوارث، مؤكدة أن هناك أدلة موجودة على أن شبكات التواصل الاجتماعي يمكن أن تكون مصدراً مثيراً للاهتمام للمعلومات أثناء الكوارث لأن الأشخاص المتضررين يميلون إلى نشر الصور والمعلومات حول ما يحدث. وقالت: «لذلك، كانت الفكرة هي تصميم أدوات لتصفية الصور تلقائيا من وسائل التواصل الاجتماعي والكشف عن الكوارث الطبيعية وأنواع أخرى من الحوادث».