اكتشف باحثون جزيئا جديدا يفتح المجال أمام علاج جديد لمرض ألزهايمر، الذي يعرّف بأنه اضطراب عصبي تدريجي يؤدي إلى ضمور الدماغ وموت خلاياه.
يعتبر ألزهايمر السبب الأكثر شيوعا للخرف، الذي هو انخفاض مستمر في التفكير والمهارات السلوكية والاجتماعية، يؤثر على قدرة الشخص على العمل بشكل مستقل.
يؤثر هذا المرض على ملايين الأشخاص حول العالم. من هنا، كثرة الأبحاث التي تدرسه في محاولة لتطويقه.
يبدأ مرض ألزهايمر عادة ببطء ثم يتفاقم تدريجيا. عادة ما يكون العرض الأول هو صعوبة تذكر الأحداث الأخيرة، والتي غالبا ما توصف بأنها نسيان.
مع تقدم المرض، يمكن أن تشمل الأعراض الارتباك والتهيج والعدوانية وتقلب المزاج ومشاكل اللغة وفقدان الذاكرة على المدى الطويل. ومع شيخوخة السكان، لم تكن المعركة ضد هذا المرض المدمر أكثر إلحاحا من أي وقت مضى. في الآونة الأخيرة، اكتشف فريق من الباحثين سلاحا محتملا جديدا ضد مرض ألزهايمر.
بناء على المعرفة الحالية بأن جزيء الرنا الميكروي-212-3بي (microRNA-212-3p)، المشار إليه بالرمز (miR-212-3p)، يمكن أن يلعب دورا في مكافحة مرض ألزهايمر، أجرى فريق بحثي سلسلة من التجارب الدقيقة لاستكشاف كيفية عمل ذلك. تشير النتائج إلى أن زيادة مستويات الجزيء مير-212-3بي في الدماغ قد تساعد على السيطرة على الالتهاب، الذي هو أحد اللاعبين الرئيسيين في مرض ألزهايمر. هذه النتائج تضيء منارة الأمل للمرضى وعائلاتهم وتقدم وسيلة مثيرة للعلاجات المستقبلية المحتملة.
نشرت نتائج البحث في مجلة Bosnian Journal of Basic Medical Sciences.
الرنا الميكروي والالتهاب ومرض ألزهايمر
«الرنا الميكروي»، بما في ذلك «مير-212-3بي»، هي جزيئات صغيرة موجودة في الخلايا تلعب دورا حاسما في السيطرة على أنشطة جينات معينة. جيناتنا هي مخطط لكل بروتين أجسامنا. ومن خلال السيطرة عليها، يساعد الرنا الميكروي، مثل مير-212-3بي، على الحفاظ على عمل أجسامنا بشكل صحيح.
يعد الالتهاب جزءا من آلية الدفاع الطبيعية للجسم، ولكن في مرض ألزهايمر، تخرج هذه الاستجابة الوقائية عن السيطرة وينتهي بها الأمر إلى الإضرار بخلايا الدماغ، مما يساهم في التدهور المعرفي وفقدان الذاكرة.
أراد الفريق، الذي يقف وراء هذه الدراسة، أن يفهم ما إذا كان الجزيء مير-212-3بي يمكن أن يساعد في السيطرة على هذا الالتهاب الضار. وبالتالي، محاربة مرض ألزهايمر.
لاختبار نظريتهم، أجرى الفريق سلسلة من التجارب الدقيقة. فبدأوا بحقن مركب يسمى (Aβ1-42)، المعروف أنه يسبب أعراضا شبيهة بمرض ألزهايمر، لدى الفئران. ثم قاموا، بشكل مصطنع، بزيادة مستويات مير-212-3بي (miR-212-3p) في أدمغة بعض هذه الفئران، بينما عمل البعض الآخر كمجموعات تحكم.
اكتشاف مثير: مير-212-3بي يحسن الذاكرة والتعلم
كانت النتائج واعدة. حيث أظهرت الفئران مع وجود مستويات مرتفعة من مير-212-3بي تحسن قدرات التعلم والذاكرة، وهي علامة على أن زيادة مير-212-3بي قد تكون قادرة على عكس بعض آثار هذا المرض. وهذا أمر مهم لأنها المرة الأولى التي يثبت فيها أن الجزيء مير-212-3بي له مثل هذا التأثير الإيجابي.
بناء على هذه النتائج الإيجابية، وجد الباحثون أيضا أن زيادة مير-212-3بي خفضت مستويات الالتهاب في أدمغة الفئران. مستويات عالية من الالتهاب هي محرك معروف لمرض ألزهايمر. لذلك، تشير هذه النتائج إلى أن تعزيز مير-212-3بي يمكن أن يوفر نهجا جديدا لمعالجة هذا الالتهاب الضار. وبالتالي، إبطاء أو حتى منع تطور مرض ألزهايمر.
فهم أعمق
لفهم كيفية تحقيق مير-212-3بي لهذه الفوائد المثيرة للإعجاب، تعمق الفريق في الآلية الجزيئية لخلايا الدماغ. اكتشفوا أن مير-212-3بي يتفاعل مع جزيئين آخرين SP1 وبيتا سيكريتاز 1 (بالإنجليزية: Beta-secretase 1) واختصارا (BACE1)، مخفِّضا بشكل فعال نشاطهما.
SP1و and BACE1 هما جزء من المسار المسبب للالتهاب في الدماغ ومن المعروف أنهما يكونان نشطين بشكل مفرط لدى مرضى ألزهايمر. عن طريق وقف نشاطهما، يمكن للجزيء مير-212-3بي أن يساعد في السيطرة على التهاب ضار في الدماغ، وحماية خلايا الدماغ من الأذى.
وأكد الفريق هذه النتائج مع مزيد من التجارب في مزارع الخلايا، وتعزيز الأدلة على دور مير-212-3بي في السيطرة على الالتهاب.
الآثار والاتجاهات المستقبلية
أظهرت النتائج الدور العلاجي المحتمل لجزيء مير-212-3بي ضد مرض ألزهايمر. من خلال إظهار أن هذا الجزيء يمكنه التحكم في الالتهاب في الدماغ وتحسين الذاكرة والتعلم لدى الفئران، يوفر البحث مجالا واعدا لتطوير علاجات جديدة لهذا المرض.
وقال الباحث الرئيسي في الدراسة وي نونغ من جامعة قوانغشي للطب الصيني في مدينة ناننينغ بإقليم قوانغشي في الصين «يوفر بحثنا فهما جديدا لكيفية لعب مير-212-3بي دورا في السيطرة على الالتهاب الذي يلعب دورا كبيرا في مرض ألزهايمر. إنها الخطوة الأولى نحو تسخير هذا الجزيء للعلاج في المستقبل».
رغم أن هذه النتائج واعدة، إلا أن هناك حاجة إلى مزيد من البحث. استخدم الباحثون نموذج الفئران لمرض ألزهايمر ومزارع الخلايا البشرية في دراستهم. وهي طرق بحث راسخة، إلا أنه ستكون هناك حاجة إلى مزيد من البحث لتأكيد هذه النتائج لدى الأشخاص المصابين بمرض ألزهايمر.
على سبيل المثال، ستكون الخطوة التالية الحاسمة هي التحقيق في مستويات مير-212-3بي لدى المرضى الذين يعانون من مرض ألزهايمر مقارنة بالأفراد الأصحاء.
وقال الدكتور تشيكوان وي من جامعة قوانغشي للطب الصيني إن «الرحلة إلى علاج جديد محتمل لمرض ألزهايمر طويلة، وما زلنا في المراحل المبكرة»، مضيفا «دراستنا بداية واعدة، لكننا بحاجة إلى إجراء المزيد من الأبحاث لفهم الإمكانات الكاملة لجزيء مير-212-3 بي».
بينما لا نزال بعيدين عن علاج لمرض ألزهايمر، تسلط هذه الدراسة الضوء على مسار جديد محتمل للعلاج. من خلال فهم كيفية عمل مير-212-3بي داخل الدماغ، يمهد الباحثون الطريق لعلاجات جديدة يمكن أن تبطئ أو حتى توقف تطور مرض ألزهايمر.