أحمد شعبان (القاهرة)
بحيرة النطرون، أو «الناترون» في تنزانيا، واحدة من أكثر البحيرات هدوءاً وغرابة في أفريقيا، ومصدراً لبعض الصور الخيالية التي يتم التقاطها، تبدو الطيور والحيوانات الحية بها، وكأنها تحولت إلى مجسمات حجرية، كأنها واحدة من الأساطير القديمة تجعلها «مسحورة»، حيث إن درجة حموضة مياهها عالية لدرجة أنها تحرق الحيوانات التي لم تتكيف معها.
والبحيرة مالحة تتغذى من نهر إيواسو نغيرو الجنوبي، ومن خلال الينابيع الساخنة الغنية بالمعادن، ضحلة جداً لا يزيد عمقها على 3 أمتار، يختلف عرضها حسب مستوى الماء الذي يتغير بسبب التبخر، تاركاً وراءه خليطاً من الأملاح والمعادن تعرف باسم «نطرون».
وتأتي قلوية الماء من المعادن التي تتدفق إلى البحيرة من التلال المحيطة، والبركان النشط القريب منها، والذي ينفث نوعاً نادراً من الحمم الغنية بالصوديوم وكربونات البوتاسيوم، ويطلقها في الماء، جعل المزيج البحيرة كأنها بركة من المواد التي تحفظ أجساد الكائنات الحية من التحلل، وهي واحدة من اثنتين من البحيرات القلوية في تلك المنطقة من شرق أفريقيا.
وتعود قصة صور المجسمات الحجرية للطيور، للتركيب الكيميائي القلوي لمياه البحيرة، والقريبة من الأمونيا، والذي يعطيها لونها الوردي، ويجعل الطيور التي تغوص في مياه البحيرة ولا تخرج، تصبح متكلسة ومغطاة بقشرة حجرية صلبة، حيث ترى بعض الطيور سطح البحيرة وكأنه مرآة عاكسة، فتغوص فيها عن طريق الخطأ.
ومن الأوائل الذين وثقوا هذه الظاهرة، مصور الحياة البرية «نيك براندت»، حينما اكتشف عدة طيور وحيوانات حجرية، ظهرت على شاطئ البحيرة في موسم الجفاف عندما انحسرت المياه، ووجد بقايا لطيور وحيوانات مغطاة برواسب من كربونات الصوديوم، حفظت أجسامها بعد أن نفقت في البحيرة.
وذكر براندت في كتابه، أنه وجد أنواعاً عدة من الطيور والخفافيش النافقة على شاطئ بحيرة النطرون، لم يعرف سبب نفوقها، لكن ربما كان الماء الذي يحتوي على نسبة عالية جداً من الصودا والملح، فأخذ هذه المخلوقات كما وجدها على الشاطئ، ثم وضعها في أوضاع تُحاكي حالها كما لو كانت حية، والتقط لها تلك الصور.
موطن للتكاثر
يستخدم أكثر من مليوني طائر من طيور «النحام الوردي» هذه البحيرة الضحلة كموطن أساسي للتكاثر في أفريقيا، حيث توفر ملاذاً آمنا لها من الحيوانات المفترسة، وهناك أعشاش لها مبنية على جزر صغيرة تتشكل في البحيرة خلال موسم الجفاف.
وتزدهر طيور النحام أو «الفلامنجو» في البحيرات المالحة بسبب جلدها القاسي، وأرجلها الحرشفية، ما يمنع إصابتها بالحروق، ويمكن لها تصفية المياه المالحة لوجود غدد خاصة في تجاويف الأنف، بالإضافة إلى بطونها القوية التي تمكنها من تناول الطحالب السامة الموجودة في البحيرة، وهذا ما يجعل بحيرة النطرون المكان المثالي لتربية وحماية صغارها.