سلطان الحجار (أبوظبي)
رواية «أم العروسة» للكاتب والروائي عبد الحميد جودة السحار (1913م - 1974م)، تُعد أحد أشهر أعماله الأدبية، حيث حقق هذا العمل انتشاراً واسعاً منذ صدوره لما يتميز به من أسلوب ممتع ومسلٍّ وقريب من القارئ المصري والعربي.
السحار من رواد فن القصة في مصر والعالم العربي، إذ تميزت كتاباته بأنها من قلب وواقع المجتمع، بالإضافة إلى اهتمامه الكبير بكتابة القصص الديني الذي أولاه الجزء الأكبر من مسيرته الأدبية، وتميز فيه بأسلوبه القصصي الماتع، ثم اتجه إضافة إلى ذلك لكتابة القصص والروايات التاريخية التي لاقت نجاحاً ورواجاً كبيرين، وأصبحت من أبرز الأعمال القصصية التاريخية في عصره.
تتناول رواية «أم العروسة»، قصة حياة عائلة مصرية بسيطة، مستعرضة حياة أفرادها من جوانب مختلفة، ولكنها تركز على جانب صعوبة المعيشة وقسوتها، وتسلط الضوء على مسألة العادات والتقاليد التي تثقل كاهل رب الأسرة دون حاجة حقيقية لهذه الأشياء، كل هذا في أسلوب سلس وممتع للقارئ يشعره بأنه جزء من هذه العائلة، التي تعيش على حد الكِفاف، لرب أسرة يعمل موظفاً بسيطاً ذي دخل متواضع لا يسد رمق زوجته وأبنائه، لكنه يصارع طواحين الهواء ويواصل عمله بكد وعناء دون شكوى حفاظاً على استقرار أسرته، والعبور بها إلى بر الأمان، وإن كان ذلك على حساب آلامه وأوجاعه وحرمانه ومشاكله، في ظل تحديات اجتماعية ترهق كاهله، خاصة بعد تقدم شاب لخطبة ابنته الكبرى، ليبدأ رحلته مع المعاناة لتجهيز هذه الابنة وتلبية طلباتها الخاصة بالعُرس والزواج.
عجز ووفاء
وأمام عجز الأب عن الوفاء بهذه الالتزامات، يضطر إلى مد يده إلى عهدته المالية الخاصة بالشركة التي يعمل بها، من أجل أن يسعد ابنته، ويظهر مرتدياً عباءة الستر أمام المجتمع، غير مهتم بعاقبة فعلته التي قد تنهي مستقبله الوظيفي، وتضعه خلف القضبان، إلا أن الأمور تسير على ما يرام بعد أن أنقذه أحد الأوفياء المقربين منه في العمل، وقام بسداد ما اختلسه من خزينة الشركة، لحين الانتهاء من إجراءات استبدال معاشه، لينقذه قبل فوات الأوان..
على الشاشة
رواية «أم العروسة»، عرفت طريقها إلى عالم الفن السابع، من خلال فيلم سينمائي مصري عُرض عام 1963م، بطولة عماد حمدي وتحية كاريوكا وسميرة أحمد ويوسف شعبان وحسن يوسف ومديحة سالم، وإخراج عاطف سالم، وﺗﺄﻟﻴﻒ عبدالحميد جودة السحار (القصة والحوار)، وسيناريو عبدالحي أديب.
وتدور قصة الفيلم حول عائلة تتكون من أب وأم و3 أخوة و4 بنات، لتقع الأختان، الأكبر سناً، في الحب من شابين، الأول هو (يوسف شعبان)، والثاني (حسن يوسف)، ومن هنا تبدأ الأحداث المتناقضة تسيطر على أبطال العمل، حيث يموافق الأب على زواج ابنته من الشاب الذي تقدم لها، رغم أنه لا يملك أموالاً تكفي لتجهيز ابنته وإتمام الزواج، فهو موظف بسيط غير قادر على اتخاذ هذه الخطوات، وهكذا فإن عماد حمدي (حسين) رب هذه الأسرة المصرية الكبيرة، يبدأ يعاني من مشاكل تدبير تكاليف زيجة هذه الابنة الكبرى، فيقرر اختلاس المبلغ من عهدته المالية في الشركة التي يعمل بها بنية رده فيما بعد.
مشهد النهاية
الفيلم يرصد الحياة الاجتماعية للأسرة المصرية في ذلك الوقت من هذه الزاوية، التي تعبّر عن الفقر والعوز واللجوء إلى السقوط في مستنقع الخطيئة تحت ضغط افتقاد المال والحاجة إليه، وفي نهاية الفيلم يقام العرس وسط فرحة هذه الأسرة البسيطة التي ترتسم الابتسامة على وجوه أفرادها بمذاق مرارة الحرمان... ويطلب الشاب الثاني، وهو حسن يوسف الزواج من ابنته الثانية، الأمر الذي يصيب الأب (حسين) بصدمة شديدة تفقده الوعي، إلا أنه يوافق على زواج ابنته الثانية بعد أن يعده الشاب حسن يوسف (شفيق)، بأنه على استعداد لمساعدته في الجهاز ومصاريف الفرح، وغيرها من التزامات الزواج، لينتهى الفيلم بهذا المشهد الذي يجسد فكرة استمرار الحياة بحلوها ومرها.
كان فيلم «أم العروسة»، دخل ضمن قوائم التصفية النهائية لجائزة «الأوسكار»، فئة أفضل فيلم ناطق باللغة غير الإنجليزية في العام التالي لعرضة في مصر، لكنه خرج من هذه التصفيات سريعاً.
السحار.. قاص وروائي ومنتج وكاتب سيناريو
ولد عبدالحميد جودة السحار في محافظة القاهرة في 25 أبريل عام 1913م، تزوج من ابنة عمه عام 1936م قبل أن يتخرج في الجامعة بعام، ثم تخرج في كلية التجارة بجامعة الملك فؤاد الأول عام 1937م.. بدأ حياته الأدبية بكتابة القصص القصيرة في مجلتي «الرسالة» و«الثقافة»، واتجه فيما بعد إلى كتابة القصص والروايات التاريخية، فكتب قصة «أحمس بطل الاستقلال» (1943)، ثم رواية «أميرة قرطبة»، وتوجه بعد ذلك إلى كتابة القصص الإسلامية، فكتب عدداً كبيراً من قصص الأنبياء والصحابة ومنها قصص موجهة إلى الأطفال.
صادق كاتبنا السحار، الأديب العالمي الراحل نجيب محفوظ صاحب نوبل، وعشق القصص منذ طفولته فكان يشتريها من مصروفه مع أخويه أحمد وسعيد، وأصدر ثلاثتهم أول مجلة أدبية بمجهودهم الذاتي وهم أطفال، فكتبوا الأزجال والقصص والمقالات، ثم قدموا كتاباتهم إلى الرسام والخطاط «فريدون»، ليكتب ويرسم المجلة بخطوط جميلة، وقدموها بالمجان إلى المارة في الشارع.
أرسل السحار إلى جريدة الأهرام مقالاً ونُشر، ثم تبعه ببعض مقالات تم نشرها عام 1937م، كما أرسل مقالاً إلى مجلة «المقطم» التي نشرته في صفحتها الأولي، ثم اتجه إلى كتابة الإسلاميات منها «أبو ذر الغفاري، بلال مؤذن الرسول، سعد بن أبي وقاص، أبناء أبوبكر، محمد رسول الله والذين معه»، والذي عُرض في التلفزيون في ثمانينيات القرن الماضي، وتجاوز ما كتبه 45 عنواناً.
أسس مع أخيه المترجم سعيد جودة السحار «مكتبة مصر»، حيث قاما بشرائها عام 1932م، وحولاها من مجرد مكتبه لبيع الطباشير والأقلام إلى مكتبة تساهم في إثراء الحركة الثقافية، كما ساهم في إنشاء لجنة النشر للجامعيين، وكتب بعد ثورة 1952م نشيداً (للقوات الجوية) وآخر (للقوات البحرية).
دخل مجال السينما منتجاً ومؤلفاً وكاتباً للسيناريو، وكان أول فيلم يكتبه وينتجه للسينما هو فيلم «درب المهابيل 1955م»، ثم كتب بعد ذلك العديد من الروايات للسينما منها «شياطين الجو، النصف الآخر، ألمظ وعبده الحامولي، مراتي مدير عام، أم العروسة، والحفيد»، كما أُسند إليه رئاسة تحرير مجلة السينما 1973، وأنقذها من الأزمة المالية التي مرت بها، وقد أهدته جمعية نقاد وكتاب السينما في مصر جائزتها التقديرية عن مجمل أعماله السينمائية عام 1975، وكان ذلك بعد وفاته بعام.
ترك السحار تراثاً كبيراً من المؤلفات والقصص والروايات، ومن أهمها: روايات «المستنقع، وكان مساء، في الوظيفة، ليلة عاصفة، أميرة قرطبة، جسر الشيطان، السهول البيض، الشارع الجديد، النقاب الأزرق، في قافلة الزمن، أحمس بطل الاستقلال، والشارع الجديد»، وغيرها.
كما قدم العديد من الكُتب، أهمها «اليتيم، هذه حياتي، بنو إسماعيل، حياة الحسين، مولد الرسول، العدنانيون، أبو ذر الغفاري، قصص الأنبياء، خديجة بنت خويلد، إبراهيم أبو الأنبياء، بلال مؤذن الرسول، عمر بن عبد العزيز، المسيح عيسى بن مريم، هاجر المصرية أم العرب، وغيرها.
وقد توفي السحار في الثاني والعشرين من يناير عام 1974م.