خولة علي (دبي)
«الخراريف» هي حكايات الأدب الشعبي المحلي، وقصص قصيرة تسردها الجدات عن شخصيات أسطورية من نسج الخيال، فكانت فرحة الأطفال في التحلّق حول الجلسة بإنصات تام وترقب مجريات الحكاية وما تحمله من أحداث وأسلوب سرد فيه الكثير من الحكمة والمعرفة والقيَم. وكانت «الخراريف» إحدى وسائل التنشئة الاجتماعية قديماً، حيث تحاول الجدات غرسها في أحفادهن وسط أوقات من الألفة، وهي باقية في الذاكرة لما جلبته من استمتاع وترفيه في زمن كان يُفتقر فيه إلى وسائل التسلية. وتُعتبر جزءاً لا يتجزأ من المورث الشعبي، ومستنبطة من ظروف الحياة القاسية التي عاشها الأهالي قديماً.
إرث شعبي
توضح مريم سلطان المزروعي باحثة في التاريخ الشفهي، أن «الخروفة» عمل تراثي إبداعي، وجزء من التراث المعنوي، والذي يوثق حياة البشر في مرحلة معينة من تطور حياة الشعوب وطريقة معيشتهم، ووضعهم الاجتماعي والاقتصادي. كما تبين العلاقات التي تربطهم وتحكمهم، وتقيس طريقة تفكيرهم وسلوكهم وعاداتهم وقيمهم، كما تكشف عن المصطلحات المستخدمة في تلك المرحلة، من خلال اللهجة العامية وعلاقتها باللغة الأم. وتذكر أن «الخروفة» وجمعها «خراريف»، هي قصص خيالية معظمها يدور حول شخصيات أسطورية، وهي نسيج ما بين الواقع والخيال ضمن قصور وقلاع مهجورة فوق الجبال.
وتلفت المزروعي إلى أن الراوي الأساس في سرد القصة، دائماً ما يكون إما الجدة أو امرأة تتصف بالحكمة والخبرة. وتبدأ بعبارتها الشهيرة: «كان يا مكان في قديم الزمان»، وينجذب إليها الجميع في الليالي الطويلة، ولاسيما خلال فصل الشتاء حول موقد النار.
من الواقع
وتشرح المزروعي أن «الخراريف» عادة ما تُستنبط من الوضع الاجتماعي السائد قديماً، فمعظم الحكايات الشعبية تحاكي الوضع الذي يعيشه الناس، فيما معظم شخصيات القصص تكون المحرك الأول للحكايات. أما تغيير مجريات أحداث القصة، فتكون عبر الحاجات الأولية مثل الحاجة إلى الطعام والمسكن الآمن والعلاقات الاجتماعية المتوازنة بعيداً عن الطبقية. وتُظهر «الخراريف» مفاهيم الغيرة والحسد والانتقام والثأر والتعاون والحب، وكلها علاقات بسيطة وواضحة وغير معقدة، فالطيب عكسه الخبث، والخير عكسه الشر، والحب عكسه البغض.
الخير والشر
وتؤكد المزروعي أن الراوي عندما يسرد الحكاية يكون مؤمناً بما جاء فيها، والسامع يسمعها مصدقاً لمعظم ما يسمعه، لعدم انتشار التعليم، وصعوبة الحياة، فكانت «الخراريف» تدفعهم للهروب إلى عالم الخيال. كما أن عدم معرفة الأسباب الحقيقية للكثير من الظواهر العلمية أو الاجتماعية، كانت تؤدي إلى تفسير ما يُسرد على أساس خرافي.
وإن حدث أن الشخصية متمردة في الحكاية، فإنها تحصل على جزائها العقابي في النهاية، وكذلك بناءً على القيم السائدة التي تهيمن على العلاقات الاجتماعية. فالرجل الظالم واضح الملامح والقيم، وكذلك المرأة الشريرة، والأمر نفسه بالنسبة للمرأة المظلومة الطيبة والرجل العادل المحب، لذلك فإن الجانب الإيجابي يحمل قيم الحق والخير والجمال والعدل والفضيلة والحب والعطاء، بينما الشرير المرفوض اجتماعياً وأخلاقياً يحمل القيم السلبية، مثل الظلم والبغض والأنانية والرذيلة والكراهية. ومن الأخبار الجميلة التي أنتجتها «الخراريف»، العادات والتقاليد سواء المتبعة في ختم القرآن الكريم أو طقوس الزواج واستقبال الضيف.
وسيلة للتعليم
عن أهمية «الخروفة»، تذكر المزروعي أنها تسعى إلى إيصال رسالة معينة مليئة بالعبر، تهذب سلوكيات الأطفال، وتحثهم على النوم المبكر والتعاون فيما بينهم، كما كانت تعتبر وسيلة تعلمهم «السنع» والأخلاق الحميدة وتنهيهم عن الأخطاء والبعد عن رفاق السوء. وكانت تبين مدى قوة الأسرة وتواصلها وتكاتفها، وهذا واضح عندما يجتمع الأطفال عند الجدات لسماع «الخروفة» بشغف، وقد يحضر الكبير قبل الصغير، وهذا دليل أيضاً على هيبة كبيرات السن ومدى احترامهن.