خولة علي (دبي)
مشهد النساء يجتمعن في «بيت الرحى» ليتناوبن على طحن الحبوب بأنواعها، يظهر مدى تلاحم وتكاتف نساء الفريج قديماً، والتعاون فيما بينهن لإنجاز المهمة قبيل رؤية هلال شهر رمضان المبارك، أو استعداداً لأي مناسبة اجتماعية، حيث تجتمع النسوة لطحن القمح وحَب الهريس وغيرهما من الحبوب، ليبدأن بتنظيف الحبوب من الشوائب ودقها ووضعها في وعاء لحفظها، في ذات الوقت يُحضّرن القهوة العربية ليجلسن حولها ويتبادلن الأحاديث والحكايات، ويتناقلن أخبار وعلوم أهل الفريج.
تشير شيخة النقبي، صاحبة مؤسسة بصمة الأجداد للتراث، إلى أن البيوت قديماً لم يكن فيها «حجر رحى»، إنما كان يخصص مكان في الحي توضع فيه آلة الطحن ويسمى «بيت الرحى». وهو عبارة عن مساحة صغيرة تُفرش بحصير من سعف النخيل وتعلوها مظلة من العريش. ويوضع «حجر الرحى» على الحصير، حيث يفترش النساء الأرض ويعملن على تجهيز الحبوب والطحن. وعادة ما تستلزم عملية الطحن القوة والقدرة على تحريك العصا المثبتة على آلة الطحن، والتي هي عبارة عن حجرين ثقيلين بأسطح خشنة، يوضع أحدهما على الآخر مع ثبات السفلي، فيما يتم الاعتماد على تحريك الحجر العلوي لطحن الحبوب من خلال وضعها في فتحة دائرية في الحجر العلوي. وتمر بين الحجرين لتبدأ عملية تحويل الحبوب إلى دقيق، ومن الحبوب التي كانت تطحن حب البر والدخن والقمح والأرز والذرة الأصفر والأسود.
عندما يدور «حجر الرحى» يعمل على برش وطحن الحبوب التي تتخلل الفتحة العلوية، فتستخدم المرأة ليفة النخل أو «عسوة» وهي مقشة أو مكنسة عبارة عن حزمة من خوص النخيل، تُستخدم في جمع الدقيق وتنظيف الرحى منه، وتستمر عملية طحن الحبوب بالتناوب بين النسوة بنشاط وجد، ولاسيما مع قدوم المناسبات الاجتماعية، كشهر رمضان المبارك.
رحلة عمل
وتصف النقبي رحلة عمل المرأة على الرحى، والتي تستغرق وقتاً طويلاً في عملية الطحن، حيث تحمل سلة الخوص المليئة بالحبوب على رأسها وتتجه إلى «بيت الرحى» في فترة الضحى، لتنضم إلى نساء الحي. وعلى وقع تحريك وطحن الحبوب تنطلق الأهازيج الشعبية «هوبي هوبي يا الرحى، اطحني كاسا وشوية وسرعي شوية وشوية»، لتعطي المرأة دافعاً أقوى لتحريك الرحى والانتهاء من الطحن من دون أن تشعر بالتعب، فالوقت يطول عليها ويصيبها بالملل، ولاسيما عندما تكون المرأة بمفردها في «بيت الرحى» وتعرج الأخريات إلى بيوتهن ومشاغلهن. وبالرغم من مشقة العمل على الرحى فإن هنالك علاقة قوية ربطت المرأة بها، فهي تمضي وقت راحتها بملازمة هذه الآلة البدائية بصحبة نساء الحي.
عملية الطحن
وتشير النقبي إلى أن عملية طحن الحبوب مهمة تقع مسؤوليتها على المرأة، فمن المعيب أن يقوم الرجل بها، وفي حال كان عازباً أو منفصلاً عن زوجته مثلاً، فإن نساء الفريج من المقربات إليه يقمن بطحن احتياجاته من الحبوب. وتوضح أن بيت ومكان الرحى يختلف من مكان لآخر، ففي المناطق الشرقية عادة ما تكون الرحى مثبتة في الأرض، وتعمل المرأة عليها وهي جالسة، أما في المناطق الجبلية فيخصص مكان مرتفع توضع عليه الرحى وتتم عملية طحن الحبوب وقوفاً. وعادة ما يخصص بيت مغلق توضع فيه الرحى نظراً لقوة الرياح وشدتها في المناطق الجبلية، ما يحتم وضع الرحى في غرفة محمية من الظواهر الخارجية، لتدور من يد إلى يد، وتتقاسم نساء الفريج أدوارهن عليها، في ظل الحياة البسيطة وما فيها من ألفة وصحبة وطيبة وترابط.