لكبيرة التونسي (أبوظبي)
حين يتحدث عبدالله محمد علي الشحي من دبا عن بيت «العريش»، فإنه يستحضر تاريخاً متأصلاً وحياة اجتماعية واقتصادية وعادات وتقاليد قامت على التعاون والحب الصادق والجيرة الطيبة، جذبت الناس من مختلف الأنحاء لمنطقة زخرت ببساتين النخيل والفواكه ذات الرائحة الفواحة. تخزن ذاكرته صوراً كثيرة عن الحياة قديماً حين كان الناس يأتون إلى المنطقة من كل مكان، بحثاً عن برودة الطقس وحفاوة الاستقبال وطيب العيش بين الأهالي، الذين يعتبرون القادم إليهم واحداً منهم.
اقترن «بيت العريش» في ذهن عبدالله الشحي بـ«المقيظ»، حيث تقاسم الناس القليل والكثير، تحت عنوان الخير والقناعة. وذكر أن حياة أهله كانت مبنية على التعاون والترابط، بينما كان يجمع «العريش» حكايات الجدات التي تؤكد أنه كان منصة لتجمع الناس الذين يأتون إليه محملين ببضائع وتوابل وأقمشة، يأخذون معهم السمك المالح والتمر والليمون والبيض والدجاج، وسواها من خيرات البساتين والبحر. وأشار الشحي إلى أن «العريش»، بيت يُصنع من جريد النخل المرصوص، يتم تثبيته بالحبال المصنوعة من سعف النخيل، وهو من المساكن المفضلة التي قطنها الإماراتيون، وفضلوها لأسباب عدة، منها توافر خامات البناء وسهولة الحصول عليها وسهولة البناء وهدمه. وأوضح أن لخشب النخيل عمراً طويلاً يسمح له بمقاومة الرطوبة والحرارة، مؤكداً أن «بيت العريش» يمكن جمعه والاحتفاظ به عند انقضاء فترة الصيف للموسم المقبل.
محبة وكرم
الشحي ورث حرفة البناء، كمهنة لا تغيب عن أي مجتمع، وتُعد واحدة من المهن التي تعبر عن ملامح البيئة والحضارات التي تنتمي إليها. مشيراً إلى اندثار هذه المهنة منذ ثمانينيات القرن الماضي، وأوضح أنه ورث المهنة عن أجداده، ومازال يمارسها حتى اليوم، ويشهد على مجريات أحداث تخزنها ذاكرته، حيث كانت تزهو الإمارات ببناء «العرشان» بسواعد أهل الفريج، وكانت مزارعه قِبلة للباحثين عن البرودة والرزق الوفير والحياة الاجتماعية التي تسودها المحبة والإخاء، حيث كانت «العرشان» خلال القيظ تستقبل المصطافين القادمين بالكثير من الترحيب والكرم.
القيظ
وأشار الشحي إلى أن دبا الحصن تشتهر بطبيعة خلابة وبساتين وارفة الظلال ومياه عذبة، ما جعلها قبلة للمصطافين في الصيف، حيث تعتبر رحلات القيظ من الطقوس المهمة التي اعتادها الإماراتيون قديماً للاستجمام بعيداً عن حرارة الطقس. وارتبطت في ذهن الشحي بالعديد من المشاهد والذكريات المعبرة عن تلك الفترة، التي شهدت حركة نشيطة في بناء «العرشان»، قائلاً: كنا ننتظر بفارغ صبر مجيء أهل الشارقة ودبي، وكنا نطلق عليهم أهل «الحضارة»، حيث كانوا يجلبون معهم القهوة والسكر والملابس والبهارات، وكانوا يساعدونهم في بناء «العرشان». وفي أحيان كثيرة كنا نبنيها باتفاق معهم قبل قدومهم، ليجدونها جاهزة. وأوضح أن منها مقاسات مختلفة حسب أفراد الأسرة، ومنها ما يتضمن أكثر من غرفة ومساحة داخلية وحماماً وحوشاً، ومنها الخاصة بالعرسان، حيث كانت فترة القيظ تشهد زيادة عدد الأفراح والأعراس.
«عريش مجرد»
وطلباً للتهوية، كانت البيوت في الصيف عبارة عن «عرشان» بفتحات بين النخيل في الصيف لتمرير الهواء، وكان يُطلق عليها «عريش مجرد» أي غير مغطى بالخوص، بينما تكون متراصة ويسترها الخوص في الشتاء لمنع البرودة، وهذا النوع كان يطلبه بعضهم حفاظاً على الخصوصية، موضحاً أن هذه «العرشان» البسيطة تطورت فيما بعد لتصبح من الحصى والحجر، بينما وقت القيظ كان الجميع يعتمدون على «العرشان» في السكن. وكانت توضع في الصيف «منامة» أمام «العريش»، وهو فراش مرتفع عن الأرض، للحماية من لسعات الحشرات. ووسط هذه الأجواء كان يحلو السهر وتبادل الأخبار والأحاديث.
حياة بسيطة
بالحديث عن مميزات «العرشان»، أشار عبد الله الشحي إلى أنها تميزت بوجودها على الساحل أو وسط النخيل. وكانت الحياة بسيطة داخل هذه البيوت المفتوحة، حيث يلعب الأطفال بينما الكبار يقضون وقتاً ممتعاً في تبادل أخبار الفريج الذي كان يشهد تعاوناً فعلياً بين الرجال والنساء. يتشاورون ويتبادلون أطراف الحديث حول الصيد والغوص وأحوال المجتمع، في صور تجسد أسمى معاني التكافل والتراحم.