خولة علي (دبي)
خورفكان المدينة الجبلية بإطلالتها البحرية، لا تزال تحافظ على تراثها وتاريخها الأصيل في مبانيها وأزقتها القديمة. وتروي حكايات محفورة في ذاكرة الأولين، عن سوق خورفكان القديم المعروف بـ «سوق شرق» الذي يعود تاريخه إلى فترة ما قبل الاتحاد، ليتحول إلى مزار سياحي وثقافي مميز، يحمل حضارة عاشها الأجداد ويصور موروثهم الشعبي من خلال مقتنيات تراثية أبدعها الحرفيون الأوائل، لتكون شاهدة على حضارة وثقافة المنطقة.
موقع مثالي
عن أهمية ودور السوق القديم في خورفكان في إحداث حراك اقتصادي وتجمع شعبي لتلبية احتياجات أهل المنطقة، يشير الباحث راشد خلفان، إلى أن «سوق شرق» في خورفكان، كما كان يُطلق عليه سابقاً، يحتل مكانة بارزة على الساحل الشرقي نظراً لموقعه التجاري المثالي على البحر وقربه من ميناء خورفكان، الأمر الذي جعل مهمة نقل البضائع إليه سهلة عبر السفن الراسية بالميناء، والتي كانت تجلب بضائع متنوعة من شرقي أفريقيا والهند وعدد من الدول المجاورة، ما جعله أكثر ازدهاراً ومقصداً لتجار المناطق المجاورة، ليشكل نشاطاً اقتصادياً لافتاً.
تجارة وصيد
وأشار خلفان إلى أن ما يزيد من أهمية السوق أيضاً، أنه محاط بالقلاع والحصون الأثرية، الضاربة في القِدم، كما أن امتلاك خورفكان للسفن والأساطيل البحرية أسهم في توسع النشاط التجاري البحري في المنطقة، ودفع أهل المنطقة إلى امتهان التجارة من خلال بيع ما تنتجه مزارعهم من محاصيل، أو عبر منتجاتهم الحرفية المتنوعة، إضافة إلى الأسماك المملحة التي اشتهرت بها المنطقة الشرقية نتيجة اتجاه الأهالي إلى احتراف الصيد، ولعدم وجود أجهزة تبريد في تلك الفترة، فقد اعتاد الناس على حفظ الأسماك بالتجفيف والتمليح.
بضائع متنوعة
وعما يتضمنه السوق من منتجات، يقول خلفان: تخصصت بعض الدكاكين في «سوق شرق»، في بيع المواد الغذائية كالأرز والسكر والملح والأخشاب والتوابل والتمور والقهوة، فيما نجد بعض المحال زاخرة بالأقمشة النسائية والرجالية، وأدوات الصيد وصناعة السفن وصيانتها والتي تقوم عليها مهنة «القلاف»، فضلاً عن محال الحلوى، موضحاً أن السوق لا يهدأ من ساعات الفجر الأولى وحتى المساء، وقد توسع ليصل عدد دكاكينه إلى 11 دكاناً، بعد انتعاش حركة التعاملات التجارية وتنوع البضائع المستوردة، التي منحت المكان شهرة واسعة.
«مقهى القاضي»
ويؤكد خلفان أن ما زاد من تردد الناس على السوق، وجود القهوة الشعبية التي عادة ما تتم فيها اللقاءات بين أهل المنطقة، ليتبادلوا الأخبار فيما بينهم أو معرفة الجديد منها من خلال المسافرين القادمين من شتى البلدان. وكان السوق يشهد جلسات للمسافرين من التجار القادمين بسفنهم من البصرة والهند وشرقي أفريقيا وإيران، كما كان محطة لتجمع الصغار والكبار للتسلية واللعب.
وأضاف خلفان أن من أشهر مقاهي السوق «مقهى القاضي» الذي نأمل أن يتم ترميمه وإعادته إلى نشاطه مجدداً، ولاسيما أنه يحمل الكثير من الذكريات بصحبة الآباء والأجداد. والمقهى كان بمثابة المجلس الذي يجتمع فيه الأهالي ويتسامرون بكل ود ومحبة.
ترميم وتجديد
تم ترميم «سوق شرق» في خورفكان باستخدام خشب الجندل والدعون والحصير، مع تحسين الواجهات وكسوتها بالديكورات الجصية، إضافة إلى توزيع المراوح في الممرات. ورفد السوق بالعديد من المحال والأنشطة التجارية المتنوعة، إضافة إلى المطعم الشعبي الذي أصبح وجهة سياحية وترفيهية للزوار، كما شملت أعمال الترميم مسجد السوق و16 محلاً، مع توفير الخدمات العامة لمرتاديه وأصحاب المشاريع الشبابية والرائدة.
متحف حرفي
يلحق بـ «سوق شرق» في خورفكان، متحف تراثي حرفي، يشكل مساحة ثقافية وتراثية تضم العديد من الأقسام التي خُصصت لعرض الفنون والحرف اليدوية، ومنها: الصايغ، بسطة السوق، الخياط، المحسن، الخباز، التراث البحري، النجار، بيت السوق، المالح، القهوة، الطواش، الطب الشعبي، الحداد والصفار، المدبسة، المطوع. وهذه الحرف تعكس مختلف البيئات، وتعرّف الزوار بصناعات شاهدة على مهارات الأولين في التعامل مع خامات البيئة المحلية.