الشارقة (الاتحاد)
ضمن سلسلة المحاضرات الثقافية التي ينظمها المقهى الثقافي في أيام الشارقة التراثية، عُقدت محاضرة بعنوان «الحكاية الشعبية.. خزان الإبداع»، شارك فيها كل د. محمد الجويلي مدير قسم الدراسات الأنثروبولوجية في جامعة منّوبة بتونس، والباحثة الإماراتية فاطمة المغني، والشاعرة والمحامية البحرينية الدكتورة هنادي الجودر، والدكتورة التونسية وفاء المزغني الباحثة في ثقافة الطفل والمرأة والتراث غير المادي.ركزت ورقة الدكتور الجويلي على إنشائية الهزل في الحكاية الشعبية، كحالة إبداعية تتطلب مهارات فنية خاصة، حيث اعتبر المحاضر كلاً من الجاحظ والهمذاني من كبار الحكائين العرب الذين أدخلوا الفكاهة والهزل في أدبياتهم وكتاباتهم بعيداً عن لغة الثقافة الرسمية التي تعتمد الجدية وأفعال الأمر والنهي الصارمة، وتضع القيود والحدود الواسعة بين المباح والممنوع.
وأشار الجويلي إلى أن الفعل حكى يتسع لأبعد من معنى السرد، فهو يشمل التقليد والمحاكاة، ومن ثم فقد ارتبطت الحكاية منذ القدم بالتقليد لأغراض الترفيه والإمتاع، كون المقلد يحتاج لذكر الحكايات خلال استعراضاته المضحكة، كما أن حصول الإضحاك في الحكاية الشعبية يستوجب المبالغة والتضخيم ورسم الاعوجاج في الشخصية من ناحية جسدية وأخلاقية.
وأكدت فاطمة المغني، على دور الجدات كمصدر للإبداع في الحكاية الشعبية في الإمارات وباقي الدول العربية، مستعرضة نماذج من هذه الحكايات التي كان الأطفال يتأثرون بها ويندمجون مع أصواتها وحركاتها وتفاصيلها الخيالية المخيفة أحياناً، كما أشارت إلى مقدمات ونهايات مثل هذه الحكايات التي كان أغلبها يركز على الحمل ودورة الحياة والزواج، وغيرها من عناصر النسيج الاجتماعي في البيئة الدافئة التي كانت تحتضنها الأسرة الممتدة.
وذكرت أن الحكايات الشعبية كان لها أبطال ورموز دائمة الشهرة، فضلاً عن استخدام لغة الحيوانات في هذه الحكايات، بما يتناسب مع مفهوم التربية للأطفال.
أما الدكتورة هنادي الجودر، فدارت مداخلتها حول المضامين الشعرية في الحكايات الشعبية في البحرين، أو ما يسمى بالحزاوي، والتي تندرج ضمن الموروث الشعبي الشفهي أو الحكائي، موضحة أن توظيف البحور الشعرية لم يكن بارزاً في هذه الحكايات.
وأشارت الجودر إلى ارتباط هذه الحكايات بالحقوق الثقافية للإنسان ومعتقداته وقيمه وعاداته، فضلاً عن شمولها للعديد من الخصائص المادية والرقصات ومظاهر الطعام والسكن في المجتمع، لافتة إلى أهمية تضمين القصائد الشعرية البسيطة في متن الحكاية الشعبية، مما يعزز الإنصات لدى المتلقي ويرسخ لغة الحوار الوجداني المتبادلة بين أبطال الرواية، ويزيد من جذب انتباه المستمع ودهشته كلما تغير إيقاع الصوت، وتهيئته عند الانتقال لمشهد آخر، مؤكدة أفضلية كتابة الحكاية الشعبية باللهجة المحلية لكل بلد بدلاً من الفصحى، لأنها أقرب إلى البيئة المحلية وطبيعتها ولغتها الدارجة.
وعرضت الدكتورة وفاء المزغني جانباً من مظاهر الإبداع في نماذج مختارة من الحكايات الشعبية التونسية التي طورت ثقافة الطفل، كما ناقشت إمكانية الاستفادة من الموروث الشفوي القديم في صياغة ثقافة طفل اليوم، مع إيراد بعض الشروط المناسب مراعاتها عند كتابة محتوى هذه الحكايات بهدف بيان قيمة الموروث في تكوين طفل متجدد ومواكب للعصر.