أبوظبي (الاتحاد)
عرضت قناة ناشونال جيوغرافيك أبوظبي والتابعة لأبوظبي للإعلام مؤخراً، العرض الأول للفيلم الوثائقي الجديد «كنوز الجزيرة العربية المنسية: مدينة دادان القديمة»، مصطحباً المشاهدين في رحلة توثيقية إلى محافظة العلا التاريخية، والتي تقع شمال غرب المملكة العربية السعودية، لاكتشاف كنوز وآثار «مملكتي دادان ولحيان» واللتين يعود تاريخهما لأكثر من ألفي عام مضت.
اطّلع المشاهدون عن كثب على حضارة دادان، إحدى محطات التجارة الرئيسة على طريق البخور القديم، والتي تربط جنوب الجزيرة العربية مع بلاد الشام ومصر، وبفضل هذا التاريخ الغني، يكتشف علماء الآثار قطعاً أثرية جديدة وتقنيات وكتابات دادانيّة للتعرّف على الطقوس واللغات وطرق المعيشة والمدافن التي كانت سائدة في تلك الحقبة الزمنية من تاريخ محافظة العلا الملهمة.
وجرى الكشف عن غموض وعراقة هاتين المملكتين من خلال الآثار التي لا تزال شاهدة وراسخة حتى اليوم، من خلال لقطات مذهلة للمواقع الأثرية في العلا وإعادة تمثيل لأبرز الأحداث التاريخية الخالدة، كما أتيح للمشاهدين معايشة تجربة محاكاة لأهم القصص والروايات المؤرخة آنذاك في تلك الممالك الخالدة.
وبالاعتماد على الأسلوب السردي المشوّق لشبكة ناشونال جيوغرافيك، وبالتعاون مع أشهر علماء الآثار واللغات والمؤرخين وغيرهم من بعثات التنقيب المتعاقبة، تم الكشف عن أسرار أحد أهم المواقع التاريخية الغامضة، في محاولة لتسليط الضوء على أبرز الاكتشافات والآثار الدالة على قيام واندثار حضارة مملكتي دادان ولحيان بمحافظة العلا بالسعودية.
تجدر الإشارة إلى أنّ الفيلم الوثائقي «كنوز الجزيرة العربية المنسية: مدينة دادان القديمة» من إخراج ديرك فيرهي وإنتي كالفات، وإنتاج إيفان بوسو وراجول شوهان من ناشونال جيوغرافيك، بالتعاون مع الهيئة الملكية لمحافظة العلا، فيما روت الفيلم باللغة العربية، الإعلامية السعودية وئام الدخيل.
أسرار دادان
وعن هذا الفيلم الوثائقي الجديد، قال المنتج إيفان بوسو، إنه عمل وثائقي نفخر به جميعاً، حيث أخذ المشاهدين إلى مدينة العلا التاريخية في شمال غرب المملكة العربية السعودية، وكشف أسرار حضارة دادان، والتي كانت قبل أكثر من ألفي سنة محطة تجارية أساسية على طريق البخور القديم، إذ ربطت بين شبه الجزيرة العربية وحوض المتوسط ومصر، كما كانت مركزاً للمواهب في ذلك الوقت، مثل لندن أو نيويورك، وأعتقد أنها كانت ما نسميه اليوم «مدينة ذكية»، من حيث الطريقة الرائعة التي استخدم بها سكان دادان القدماء الطبيعة، الجبال أو الواحات لبناء مدينة ساحرة للغاية.
وقد كشف الفيلم قصة دادان، عبر رحلة استكشافية، بتوجيه من عالمي آثار - جيروم رومر وعبد الرحمن السحيباني - خلال موسم التنقيب الشاق في صحارى العلا، التي أعتبرها أحد أجمل الأماكن التي رأيتها على الإطلاق.
تحديات
وحول التحديات التي واجهت التصوير في موقع أثري يخضع للحماية وللتنقيب في الوقت ذاته، أكد إيفان بوسو: «كنا محظوظين للغاية عندما استطعنا توثيق قصة دادان، بفضل الهيئة الملكية لمحافظة العلا التي وفّرت لنا التسهيلات كافة، حيث استطعنا الوصول إلى كل مكان يجري التنقيب عنه لنروي قصّة المدينة، وكنا ندرك أيضاً أن وجود طاقم كاميرا في موقع العمل يمكن أن يكون مزعجاً لعلماء الآثار، لذلك احتجنا إلى إيجاد طريقة للسماح لهم بالعمل أثناء التصوير بشكل شبه مخفي، وتمكّنا في النهاية من إنجاز المهمّة بسلاسة.
لقد كنا قريبين جداً من جهود التحرّي والاستقصاء، حتّى أننا تمكّنا من متابعة هؤلاء الخبراء أثناء اكتشافهم لبعض الأدلة المهمّة، وكان شرفاً لنا أن نصور لحظة اكتشاف لا تصدق، إضافة إلى المفاجأة التي أذهلت علماء الآثار عندما وجدوا أخيراً ما أمضوا شهوراً في البحث عنه. التحديات الأخرى تمثلت في العوامل الطبيعية الشديدة، فقد كنّا نصوّر الواقع، لذلك كان علينا أن نتعامل مع الرياح والرمال والعواصف، التي شكلت معوقات لنا ولعلماء الآثار على السواء، لكنها من دون شك استحقت ذلك العناء».
أداة سردية
وأضاف إيفان بوسو: نحن نستخدم إعادة تمثيل كأداة سردية وتوضيحية في حالة عدم وجود لقطات أو صور فوتوغرافية أو لوحات، وفي الفيلم الوثائقي، نلجأ إلى إعادة التمثيل لشرح الاكتشافات التي قام بها علماء الآثار، ومنهجهم ونظرياتهم، فهي تساعدنا على جعل الفيلم الوثائقي جميلاً وممتعاً، ولكن سهل المتابعة أيضاً.
ناشونال جيوغرافيك لديها قسم أبحاث خاص بها، لذلك فإنّ كل ما تراه في إعادة التمثيل يكون قد خضع لفحص شامل بالتعاون مع فريقنا في واشنطن، وما تراه على الشاشة، من الملابس إلى الأسلحة إلى سروج الجمال، دقيق وفق تلك الفترة الزمنية وتلك الحضارة، ولعلّ هذا العمل هو التمثيل الأقرب والأكثر دقة على الشاشة للدادانيين الذين عاشوا قبل 2000 عام. وهذا الفيلم الوثائقي يكرّم اثنين من الروّاد السعوديين هما حسين أبو الحسن وسعيد السعيد، اللذان كرّسا حياتهما طيلة أكثر من 30 سنة لدراسة نصوص وتماثيل ومصنوعات دادانية، وكانا يحفران ويكتشفان ويدرسان تاريخ هذه المنطقة عندما كان عدد قليل جداً من الناس على دراية بها.
تجربتي مع ناشونال جيوغرافيك
عن تجربته في العمل مع ناشونال جيوغرافيك، قال إيفان بوسو: «تشتهر ناشونال جيوغرافيك بإنتاج أفلام وثائقية متميزة من حيث التوقيت والإثارة التي تخلقها والترابط مع التطلعات المحلية، وطيلة 130 عاماً، ألهمت ناشونال جيوغرافيك الناس وحفّزتهم على الاهتمام بالعالم وأبقتهم على اطلاع من خلال مشاركة المعرفة، وأنا أعمل مع ناشونال جيوغرافيك منذ نحو 20 عاماً، وما زلت أصنع أفلاماً وثائقية تعمّر أكثر من ذلك، فأنا المنتج التنفيذي لمنطقة أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا، وأقوم بإنشاء ما بين 60-70 ساعة من المحتوى سنوياً لناشونال جيوغرافيك، والبرامج التي أنتجها تشمل موضوعات متنوّعة مثل العلوم والتاريخ والطبيعة وعلم الآثار، لكن ما أرويه حقاً هو قصص بشرية لأناس يكافحون كل العوامل، وآخرين يقهرون المستحيل متفوّقين على أنفسهم، إضافة إلى أناس يستخدمون براعتهم في فك الألغاز القديمة، كما في دادان، وبالنهاية، يبدو الأمر بالنسبة لي كما لو أننا نروي قصصاً بشرية لتغيير العالم، ولجعل الناس يفهمون العالم الذي نعيش فيه ويهتمون به أكثر».