د. شريف عرفة
هـل صحتـك النفسيـة.. فـي بطنـك؟
تحتوي الأمعاء على نظام بيئي معقد مكون من تريليونات البكتيريا التي تعرف باسم «ميكروبيوم» الأمعاء.. والذي وجد العلماء أنها تلعب دوراً مهماً في الحفاظ على الصحة الجسدية.. والنفسية أيضاً!
أظهرت الدراسات أن الاضطرابات التي تصيب «ميكروبيوم» الأمعاء - مثل اختلال توازن البكتيريا الجيدة والسيئة أو فرط نمو البكتيريا الضارة - يمكن أن تؤدي إلى مجموعة متنوعة من مشكلات الصحة العقلية، بما في ذلك الاكتئاب والقلق.. فمثلاً، عندما أخذ العلماء بكتيريا من مريض بالاكتئاب وتم وضعها في أمعاء الفئران، وجدوا أن سلوكها يتغير وكأنها أصيبت بالاكتئاب هي الأخرى.. ما يعني أن الخلل البكتيري في الأمعاء ليس مجرد عَرَض، بل له دور في آلية حدوث المرض نفسه!
في دراسة نشرت في الدورية العلمية «نيتشر» تحمل عنوان «الإمكانات العصبية النشطة لميكروبات الأمعاء البشرية في نوعية الحياة والاكتئاب» لفريق علمي تقوده الباحثة ميريا فاليس كولومر من قسم الأحياء الدقيقة والمناعة من معهد ريجا للبحوث الطبية بجامعة لوفين في بلجيكا، رصد الباحثون حدود هذا التأثير وآلياته عند البشر، منتقدين الدراسات السابقة التي اعتمد على الحيوانات بشكل أساسي، ليخلصوا إلى وجود ارتباط واضح بين الميكروبيوم ومستوى جودة الحياة وتخفيف أعراض الاكتئاب لدى عينة كبيرة من البشر.
لكن ما تفسير ذلك؟
ما علاقة بكتيريا الأمعاء بالقلق والاكتئاب؟
تفسيرات: طرح العلماء كثير من التفسيرات المحتملة لهذه الظاهرة العجيبة.. منها:
- إنتاج الناقلات العصبية: تنتج القناة الهضمية قدراً من الناقلات العصبية التي يستخدمها الجهاز العصبي في نقل إشاراته للمخ، وتساعد في تنظيم المزاج.. وقد يؤدي اضطراب ميكروبيوم الأمعاء إلى اختلال التوازن في إنتاج النواقل العصبية، والتي يمكن أن تسهم في مشاكل الصحة العقلية مثل الاكتئاب والقلق.
- التهاب: قد يؤدي عدم توازن ميكروبيوم الأمعاء إلى حدوث التهابات مزمنة، يمكن أن يسبب تغيرات المخ تؤثر على الحالة المزاجية والسلوك.
- مناعة: بالإضافة إلى ذلك ، يلعب ميكروبيوم الأمعاء دوراً في الجهاز المناعي، ويمكن أن يؤدي عدم توازن ميكروبيوم الأمعاء إلى استجابة مناعية غير طبيعية ما قد يسهم أيضا في حدوث مشاكل الصحة العقلية.
- هرمونات: يلعب ميكروبيوم الأمعاء أيضاً دوراً في إنتاج الهرمونات مثل الكورتيزول والميلاتونين، والتي تعتبر مهمة لتنظيم التوتر ومقاومة الأرق.
نصائح عملية:
كيف نستفيد من هذه المعلومة؟
في دراسة تحمل عنوان «ميكروبيوم الأمعاء والصحة العقلية: ماذا يجب أن نخبر مرضانا؟» نشرت في دورية ذا كناديان جورنال أوف سايكايتري، يضع العلماء مجموعة من التوصيات التي ينبغي وضعها في الاعتبار.. مثل:
- تناول «المعينات الحيوية»:
أي إدماج البروبايوتيك والبريبايوتيك في النظام الغذائي. ما معنى هذا؟
البروبايوتيك: هو الطعام الذي يحتوي على البكتيريا المفيدة، مثل الزبادي واللبن الرائب وخل التفاح وبعض أنواع الأجبان..
البريبايوتيك: هو طعام غير قابل للهضم لكنه يغذي البكتيريا المفيدة، مثل الحمص والثوم والبصل والكراث والخرشوف..
تناول هذه الأطعمة - أو المكملات الغذائية - قد يساعد ضبط توازن الميكروبيوم وتحسين الحالة المزاجية والصحة العقلية.
والجدير بالذكر أن هذه الدراسة تخص بكتيريا «لاكتوباسيلوس» و«البفيدوباكتريوم» بالتأثير الأكبر على الحالة المزاجية في حالة الاكتئاب والقلق، فاحرص على البحث عليهما في جدول المكونات!
- الحرص من المضادات الحيوية
رغم أن الدراسة تذكر إمكانية استخدام المتخصصين المضادات الحيوية بطريقة تقلل البكتيريا الضارة، لكن بشكل عام ينبغي تجنب المضادات الحيوية قدر الإمكان لأنها تخل بتوازن البكتيريا في الأمعاء، وعدم تناولها إلا تحت إشراف طبي صارم.
- تجنب الأطعمة المصنعة وسكر الدايت:
حسب دراسات أخرى، فإن الوجبات السريعة «المقليات واللحوم المصنعة..»، وكذلك المُحليات الصناعية التي يستخدمها البعض لتخفيف الوزن، تحدث خللاً في التوازن البكتيري في الأمعاء. فينبغي تجنبها قدر الإمكان لأنها تؤثر في حالتك النفسية دون أن تدري ذلك!
- النوم: اسع للحصول على 8 ساعات من النوم كل ليلة. إذ تشير دراسات إلى أن للنوم دوراً مهماً في الحفاظ على ميكروبيوم الأمعاء الصحي!
- استشر طبيبك
وبالطبع، لو كنت تعاني من مشاكل متعلقة بالأمعاء أو متاعب نفسية أو جسدية، فإن الحل الأمثل هو المتابعة مع طبيب متخصص لتحديد المسار العلاجي الذي يناسبك أكثر.