د. شريف عرفة
اللغة ليست مجرد وسيلة تخاطب بين البشر. بل هي وسيلتنا المحورية لفهم أنفسنا والعالم من حولنا. لهذا يركز المحللون النفسيون على زلات اللسان التي يقع فيها المريض، أو سبب اختيار تشبيه دون سواه.. لأن ذلك يظهر مكنونات نفسه. ويركز مدربو الحياة على التأكيدات اللغوية في حوارنا الداخلي.. فالكلمات التي نستخدمها تخلق عالمنا النفسي وتنظم انفعالاتنا وبالتالي تؤثر على صحتنا العقلية بشكل كبير.
في دراسات عديدة، وجد الباحثون أن التشبيهات اللغوية والاستعارات البلاغية التي نستخدمها لوصف شيء ما، لها دلالات نفسية شديدة العمق.. لأن هذه الاستعارات اللفظية تعمل كحلقة وصل بين شيء ملموس وشيء أكثر تجريداً، وبالتالي تساعدنا في رؤية كيفية فهم عقولنا لهذا الموقف المجرد أو المعقد.
دراسة جديدة
في البحث الحالي الذي أجراه باحثون في إسبانيا «أنتونيو كريجو وزملاؤه» ونشر في الدورية العلمية «جورنال أوف هابينيس ستاديز» سعى المؤلفون إلى فحص العلاقة بين بعض التشبيهات اللغوية، والصحة العقلية والمرونة النفسية.
في الجزء الأول من الدراسة، أكمل المشاركون استطلاعاً للرأي حول تشبيهات متنوعة للحياة.. كيف يصفون حياتهم.. ليروا ما إذا كانت إجاباتهم مرتبطة بصحتهم النفسية. فوجدوا أمراً مثيراً للاهتمام..
بماذا تشبّه حياتك؟
وجدوا أن الأشخاص الذين اختاروا تشبيهات مثل «الحياة رحلة، أو هدية، أو مغامرة» يتمتعون بمرونة نفسية عالية وصحة عقلية أفضل ويكونون أكثر سعادة من غيرهم.
بينما الأشخاص الذين اختاروا تشبيهات تدور حول فكرة عدم اليقين، مثل «الحياة لعبة، يانصيب، حرب، لغز» كانوا أقل إدراكاً لمعنى حياتهم وأقل سعادة وأكثر تجنباً لتجارب الحياة المختلفة.. والذين كانت تشبيهاتهم مثل «الحياة متاهة، سجن» كانوا أكثر عرضة للمعاناة من مشاكل نفسية..
بماذا تشبه علاقتك؟
لا تعد هذه النتيجة غريبة أو استثنائية في الدراسات الحديثة. ففي دراسة شبيهة للباحث من جامعة ييل «روبرت ستاينبرج» قدم نظريته المثيرة «الحب كقصة» .. حيث كشفت أبحاثه أن التشبيه الذي يستخدمه الناس لوصف علاقة مع شريك الحياة، يعد مؤشراً على مدى نجاح هذه العلاقة..
في هذه الدراسة، وجد ستاينبرج أن الناس يشبهون الحب بطرق عديدة.. مثل «الحب رحلة، الحب بزنس، الحب شجرة، الحب فانتازيا، الحب ذكريات، الحب لعبة، الحب دواء …إلخ» ووجد أن توافق الزوجين في طريقة تشبيه قصة حبهما، قد يعطي مؤشراً مهماً على قابلية هذه العلاقة للاستمرار!
التفسير؟ لأن هذا التشبيه يحمل في طياته الكثير من الدلالات المتعلقة بتوزيع الأدوار وما ينتظره الشريك من العلاقة.. ما يعني أن توافق التشبيه اللغوي يعني تناغماً أكبر في العلاقة!
تطبيقات
تؤشر نتائج الدراسة إلى أن اللغة التي نستخدمها دون وعي منا بأهميتها، قد تلعب دوراً في صنع سعادتنا وصحتنا النفسية. وهو ما ينصح الباحثون بمراعاته.
بالنسبة للأطباء النفسيين، فإن هذه التشبيهات - في السياق السريري- قد تكون مؤشراً على وجود مشكلة نفسية ينبغي التدخل لعلاجها، لا تجاهلها واعتبارها مجرد لغو عابر لا ينبغي التوقف عنده..
كما يمكن تشجيع استخدام تركيبات لغوية إيجابية، في العلاج النفسي والتدريب وفي خلق الحلول وتحفيز السلوك المطلوب.
والآن قل لنا عزيزي القارئ.. بماذا تشبه حياتك؟