هناء الحمادي (أبوظبي)
لأن المعرفة لا ترتبط بالعمر، صمّمت مريم صديق المنصوري وتخطّت الصعاب بعزم لتحقق الحلم، فعادت إلى مقاعد الدراسة ونجحت، ومنذ بداية مراحلها التعليمية الأولى كانت شغوفة بالتميز والنجاح بالرغم من أنها جّدة وأُم ومربية ومديرة مدرسة في مؤسسة الإمارات للتعليم المدرسي بأبوظبي، ومع ذلك عادت لتجلس على مقاعد الدراسة الجامعية لاستكمال رسالة الدكتوراه بجامعة خليفة تخصص «هندسة علوم المواد».
الدكتورة مريم المنصوري تهتم بصنع وتطوير خواص مادة قادرة على امتصاص أكبر قدر من الأشعة الكهرومغناطيسية ذات الأطوال الموجية القصيرة، التي يمكن أن تشكل ضرراً على صحة الإنسان لتوفر له حماية من الأشعة الصادرة من الأجهزة الإلكترونية التي يستخدمها خلال حياته اليومية. وقالت: يتم تطوير وتصنيع المادة باستخدام تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد، بالإضافة إلى تقنية «النانو»، وهما من أهم التقنيات في مجال الأبحاث العلمية، ومجال هندسة علوم المواد.
وتعود المنصوري بذاكرتها إلى الوراء، وتتذكر تفاصيل هذا الشغف، قائلة: منذ المرحلة الابتدائية كنت شغوفة بدراسة العلوم والرياضيات، وتمنيت الدخول إلى المختبر لإجراء التجارب العلمية التي كان من الصعب إجراؤها في المدرسة في سبعينيات القرن الماضي، حيث كانت المدارس تفتقر إلى المختبرات العلمية المجهزة، على عكس المدارس في الوقت الحاضر والتي تحفز الطلاب على دراسة العلوم وإعدادهم للالتحاق بالجامعات لدراسة التخصصات النادرة؛ لذا كنت أضطر لإجراء بعض التجارب العلمية في المنزل عندما تتوافر لي بعض الأدوات المناسبة.
تفوق وحلم
وأضافت المنصوري: خلال المرحلة المتوسطة، كنت من الأوائل في الشهادة الإعدادية، ومن الأوائل في الشهادة الثانوية، والتحقت بكلية العلوم في جامعة الإمارات تخصص فيزياء ورياضيات، وتخرجت فيها محققة المركز الأول عام 1989. وبالرغم من زواجي أثناء الدراسة وإنجابي لطفلي الأول، كانت أمنيتي استكمال الدراسات العليا في مجال تخصصي، لكن لم أتمكن من تحقيق حلمي في ذلك الوقت، وعُرض عليّ الابتعاث إلى خارج الدولة للدراسة في أميركا أو ألمانيا، لكن ظروفي العائلية لم تسمح بذلك، وفضّلت الاهتمام بأسرتي، واخترت الالتحاق بالعمل في مجال التعليم كزميلاتي الخريجات لنساهم في النهضة العلمية.
بحث وابتكار
وتابعت المنصوري: قمت بتدريس مادة الفيزياء في المرحلة الثانوية بإحدى مدارس أبوظبي، ثم انتقلت للعمل كمساعدة مديرة مدرسة، ثم تمت ترقيتي لمديرة مدرسة، وطوال تلك الفترة كنت أشجع طالباتي على التفوق في مجال العلوم والرياضيات، وأدعم الأنشطة العلمية والمسابقات والمعارض العلمية والأنشطة في مجال البيئة التي تنمي قدرات ومهارات الطالبات في البحث والابتكار. واصلت المنصوري رحلة النجاح بعد مرور 25 عاماً من حصولها على درجة البكالوريوس في العلوم من جامعة الإمارات، وقالت: تقدمت بطلب لدراسة الماجستير في هندسة علوم المواد في معهد مصدر بأبوظبي، وكانت المفاجأة أنه تم قبولي وأنا في الأربعينيات من عمري، وقد سعيت للحصول على تفرغ للدراسة.
صعوبات وتحديات
وقالت: انضممت إلى الدورات التي تم تنظيمها من دائرة التعليم والمعرفة لحصولي على درجة في امتحان اللغة الإنجليزية «الآيلتس»، والذي أهّلني لدخول معهد مصدر، إلا أن عدم امتلاكي للمهارات في تكنولوجيا المعلومات كاستخدام بعض البرامج الضرورية في دراسة الهندسة شكل عائقاً، حتى استطعت التخرج في معهد مصدر عام 2017 وحصلت على درجة الماجستير في هندسة علوم المواد، ثم عدت إلى مدرستي لمزاولة عملي مديرة.
دعم العائلة
وأشارت المنصوري إلى أن دعم وتشجيع عائلتها، كان له أكبر الأثر في استكمال مسيرتها التعليمية، والتغلب على التحديات التي واجهتها، وأضافت: فخورة بعمري الذي تجاوز الـ 55 كما أنني جدّة لحفيدين، وهذا لم يمثل لي عائقاً لمواصلة الدراسة وتحقيق حلمي في الحصول على درجة الدكتوراه، وعملي باحثة في مختبرات الجامعة لتحقيق أهدافي وطموحاتي.
طموحات
تقدمت المنصوري بطلب للدراسة في جامعة بأبوظبي، وتم قبولها عام 2018، لكنها لم تتمكن من الحصول على التفرغ للدراسة، وقالت: أنا طالبة دكتوراه بنظام الدوام الجزئي، وهذا يستدعي مني التوفيق بين متطلبات عملي كمديرة مدرسة ومتطلبات دراسة الدكتوراه.