الجمعة 22 نوفمبر 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الترفيه

«السدو».. نسيج الحياة

خيوط السدو تتشابك وتتداخل لتنسج تصاميم بديعة (تصوير: علي عبيدو)
28 ديسمبر 2022 01:22

لكبيرة التونسي (أبوظبي) 

للإرث الإماراتي الأصيل، اهتمام بالغ من زوار مهرجان الشيخ زايد بمنطقة الوثبة في أبوظبي، هذا الحدث العالمي الذي يحمل العديد من الرسائل التعليمية والتثقيفية الهادفة إلى صون التراث الإماراتي والاعتزاز به، ضمن معرض مفتوح يستعرض الحرف اليدوية الإماراتية في ركن «القرية التراثية»، التي جمعت الحرف في مكان واحد، تتوسطه منصة لعرض الفنون الشعبية. تشكل «القرية التراثية» في قلب المهرجان، محوراً مهماً ومفيداً للزائر، الذي يمكنه التعرف إلى تشكيلة كبيرة من مفردات التراث الإماراتي والحرف التقليدية، عبر مجموعة من الحرفيين المهرة الذين يستعرضون مهاراتهم ضمن ورش وعرض حي، مؤكدين تمسكهم وفخرهم واعتزازهم بتراثهم العريق، حيث يمارسون أمام الجمهور الكثير من الحرف اليدوية القديمة ويكشفون أسرارها، للحفاظ عليها وتناقلها بين الأجيال، كما يقدمون شروحاً تفصيلية عن كل حرفة لمن يرغب في معرفة المزيد عنها، من ناحية ارتباطها بالعادات والتقاليد الأصيلة، ومن هذه الحرف التي تحضر بقوة في المهرجان «السدو»، والتي تعتبر من الصناعات التي ترتبط بالذاكرة الجمعية، حيث مارستها النساء منذ القدم ولازالت تحافظ عليها. 
سلمى علي المنصوري، من مؤسسة خليفة للأعمال الإنسانية، والتي تشارك في مهرجان الشيخ زايد ضمن «القرية التراثية»، تؤكد أنها ورثت حرفة «السدو» عن الأمهات والجدات، لافتة إلى أن النساء كُن يمارسن هذه الحرفة منذ القدم في جماعات، ضمن أجواء يسودها التعاون والمحبة، موضحة أنها تعد واحدة من الحرف التقليدية التي عملت بها المرأة الإماراتية لتلبية الاحتياجات الضرورية لسكان البادية، وتوفير المواد الأولية اللازمة لهذه الحرفة، والمتمثلة بالدرجة الأولى في «وبر الإبل وشعر الماعز، وصوف الغنم»، ويُقصد بالسدو حكاية أو نسج الصوف، وهي كسائر الحرف والصناعات اليدوية تعتمد في أدواتها ومعداتها وخاماتها على البيئة المحلية، ومنه صنع أهل البادية بيوت الشعر، وأثاث المنزل كالأغطية والسجاد والوسائد، وزينوا إبلهم وزخرفوا أسرجتها وأحزمتها وأخراجها بأشكال وألوان جميلة.

مراحل الصُنع
ووفق كتيب صادر عن دائرة الثقافة والسياحة - أبوظبي، أكد أن حرفة السدو في المجتمع الإماراتي قديمة قدم الجماعات البدوية التي عاشت على هذه الأرض، وأنها من أبرز أنشطة المرأة في الحياة الاقتصادية ومثال واضح على التكيف والإبداع، حيث تبدأ المرحلة الأولى في صناعة «السدو»، بجز صوف الغنم وشعر الماعز، وجمع الوبر من الإبل، تليها مرحلة فرزه وتصنيفه تبعاً للألوان والأطوال، ونفشه، ونفضه بالضرب لتخليصه مما علق به من نباتات وأشواك وأتربة وغير ذلك من الشوائب، ومن ثم تمشيطه وتسليكه بـ«القرداش»، أو «المنفاشة»، ليكون جاهزاً للمرحلة الثانية والتي يتم فيها غسله لعدة مرات بالماء البارد أو الساخن مع إضافة الطين أو الرماد أو مسحوق نبات السدر أو الصابون، وغيره من مواد التنظيف التي كانت معروفة سابقاً، أما حالياً فتستخدم المنظفات الحديثة في هذه المرحلة، بعدها يُنشر الصوف على «الحبال» أو «بيت الشعر» أو «البسط» لمدة يومين أوأكثر، لتأتي المرحلة الثالثة، حيث يتم البدء في غزل الصوف وتحويله إلى خيوط متينة.

مرحلة النسيج
 وبعد إعداد وصنع الصوف تأتي مرحلة النسيج، حسب التصميم المطلوب والغرض المراد منه، وعادة ما تقوم بهذه العملية امرأة أو إثنتان خلال تبادل الخيوط، حيث تجلس إحداهما بجانب مطواة الصدر والأخرى بجانب المطواة الخلفية، وتُسمى آلة النسيج بـ«آلة السدو»، وفي بعض الدول الأخرى تُسمى «النول»، وكانت آلة النسيج التقليدية هذه أو النول تُصنع من خشب النخيل أو السدر، حيث تشد عليها الخيوط عند بدء عملية السدو، أما في المناسبات كالأفراح وغيرها، فيتم استخدام عدد من الأنوال لتوفير الوقت والجهد وإنجاز المطلوب.

زخارف ورموز
أهم ما يميز حرفة السدو التقليدية في دولة الإمارات، هي القيمة الجمالية للمنسوجات الغنية بالزخارف والرموز والأشكال والنقوش التي تعكس البيئة البدوية، فالوحدات الزخرفية في «السدو» تمثل إلى جانب الأشكال الهندسية تموجات السهول والرمال، كما تعكس الكثير من عناصر البيئة الأخرى، كأشجار النخيل والزهور وعناصر الحياة الاجتماعية والدينية، مثل أدوات القهوة وصور المساجد وغيرها، وأيضاً صور بعض الحيوانات التي تحتل مكانة خاصة عند البدو، كالإبل والأغنام والصقور، وبعض زواحف الصحراء إضافة لأسماء بعض القبائل كنوع من الفخر بالانتساب إليها.

معتقدات وظواهر ودلالات 
وظّفت الناسجة زخارف السدو بالتشابك والتداخل والتماثل والتطابق، ورغم اختلاف هذه التصاميم في بعض الأحيان من قبيلة إلى أخرى، لاسيما من حيث اسم الوحدة الزخرفية أو نوعها أو التمازج في ألوان الخيوط، إلا أنها تتشابه إلى حد كبير في أغلب أجزائها ودلالاتها، حيث تجسد اتجاهات أو مواقف أو معتقدات أو ظواهر اجتماعية معينة، فمثلاً يرمز شكل السلسلة ذات الحلقات المتداخلة إلى التكاتف بين أفراد القبيلة أو المجتمع، كما ترمز التواريخ إلى أحداث معينة متعارف عليها، ومن أشكال التصاميم المستخدمة في السدو تصميم الشجرة، والعويرجان، والضلعة أو المقسم، والمذخر والحبوب وضروس الخيل، والمقص، ويتكون تصميم الحبوب على سبيل المثال من أشرطة طويلة غالباً ما تكون بيضاء اللون، وتحتوي على مجموعة نقاط تشبه حبات المحاصيل الزراعية، في حين تكون خلفية تصميم السدو باللون الأسود، أما النقشة في الوسط فترتكز على مثلثات بألوان مختلفة ومتراصة مع بعضها بعضاً.

تراث إنساني
شكل «السدو» بتصاميمه المختلفة وزخارفه وألوانه الزاهية، أشكالاً تراثية يتجلى فيها الإبداع الشعبي الإماراتي في أجمل صوره، وهو من بين الحرف اليدوية التي كانت قادرة على توفير المنتجات اللازمة لإنتاج عتاد الإبل والخيل، والمفروشات التقليدية، بأساليب ونقوش مبتكرة، ومن هنا تبرز أهمية الجهود التي قامت بها دائرة الثقافة والسياحة - أبوظبي لتسجيل «السدو» في قائمة التراث الثقافي غير المادي للبشرية، الذي يحتاج إلى صون عاجل لدى منظمة «اليونسكو» في نوفمبر 2011.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©