لكبيرة التونسي (أبوظبي)
يزدهي مهرجان الشيخ زايد الذي يواصل فعالياته في منطقة الوثبة، بزخم كبير من الفعاليات والأنشطة التفاعلية والحماسية ضمن أجواء استثنائية، تعكس جانباً من العادات والتقاليد الأصيلة للإمارات، حيث يحتفي المهرجان بالزوار ويستقبلهم بكرم وحفاوة، وهذا ما يبرزه ركن القهوة العربية في جناح دائرة الثقافة والسياحة - أبوظبي، الذي يستقبل رواده بالتمر ونكهات القهوة المميزة.
يستحضر الجناح طقوس إعداد القهوة العربية ومشاهد متخمة بالعادات والتقاليد الأصيلة، التي ارتبطت بالذاكرة الشعبية لأهل الإمارات، حيث رافقت مجالسهم، وحضرت في جميع المناسبات، وفي حلهم وترحالهم، وبها تغنى الشعراء وكُتبت فيها أجمل الكلمات، وارتبطت بالكرم وحسن الضيافة.
يُعد الموروث الإماراتي مكوناً أساسياً للهوية، وعاملاً حاسماً لمد جذور الانتماء، وأثمر توجه الإمارات نحو إحياء التراث والحفاظ عليه، عن تحقيق الكثير من الإنجازات، وأحد أبرز هذه المنجزات تسجيل مجموعة عناصر من تراثها الوطني على القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للبشرية لمنظمة «اليونسكو»، وأحدها تأتي القهوة العربية التي تتمتع بمكانة خاصة في التراث العربي، وتحضر في جناح الدائرة للاحتفاء بالزوار من مختلف أنحاء العالم ضمن تقاليد عريقة.
تقارب ومحبة
إلى ذلك، أكد سيف راشد الدهماني، أن القهوة العربية تحتل مكانة بارزة لدى أهل الإمارات، وتعكس وطقوسها ومكان تحضيرها «الحضيرة» مظاهر الفرح والسعادة، فهي منصة لتبادل الأحاديث حول شؤون الحياة الاجتماعية، والعمل على تعزيز روح التسامح والمحبة والأخوة بين سكان المنطقة، ومناقشة الأفكار وتوارد الأخبار من مختلف القبائل، موضحاً أهميتها الكبيرة في مختلف الأوقات والمناسبات، لمد جسور التقارب بين أبناء المنطقة، من خلال إقامة اللقاءات والمناسبات الاجتماعية، كما كانت ومازالت تشكل نافذة على تربية الأجيال على المبادئ والأخلاق الحميدة، خاصة من قبل أصحاب الخبرة والحكمة، لتعزيزها في نفوس أبناء الوطن، حيث تضم المجالس الكبار والصغار والشباب الذين يستقون الحكمة ممن يكبرونهم سناً، موضحاً أن هذه العادات مستمرة ولن تندثر مادام هناك مهرجانات تحفظ هذا الموروث، وتسعى لاستدامة العادات والتقاليد.
أصول السنع
سيف الدهماني لا يزال يمارس طقوس تحضير القهوة القديمة، في دلالة على أهمية الحفاظ على هذا الموروث، حيث يجلس بمكانه المفضل «الحضيرة»، في تجربة حية أمام الزوار ليجسد عمق التقاليد التراثية وأصالتها، موضحاً أن تقديم القهوة له أصول «وسنع» ما زال يحافظ أهل الإمارات على تعليمها للأبناء، حيث إن ضيافة القهوة تبدأ من يمين المجلس، ويقدمها الصبيان أو الرجال الأصغر سناً للضيف باليد اليمني، التي تحمل الفناجين، وفي اليد اليسرى الدلة، ويدور بعدها على باقي الضيوف.
وأوضح الدهماني، أن القهوة والتمر لا يخلو منهما مجلس «الحضيرة» الذي يستقبل الضيوف من أهل الفريج، الذين يجتمعون خاصة وقت الضحى وبعد صلاة العصر والمغرب لمناقشة أمور حياتهم، مؤكداً أن هذه التقاليد مستمرة حتى الآن، ويتم عوض جزء من هذه الطقوس حالياً في مهرجان الشيخ زايد.
مكونات أصيلة
توضع جميع المكونات في أوان زجاجية، حيث يمكن أن تؤثر الأواني المعدنية على نكهتها، مع استخدام نكهات القرنفل والهيل والزعفران وجوز الطيب وماء الورد، بينما تحمص القهوة في «التاوة أو المقلاة» ويتم تقليبها بوساطة «المحماس»، وهو أداة معدنية على شكل ملعقة ذات مقبض طويل، ثم يتم تبريدها بالمبردة وتستخدم هذه السلة لتبريد وتنظيف حبوب قبل أو بعد «الحمص» والتخلص من قشورها وتصنع من خوص النخلة، وتطلق على عملية إزالة قشور حبوب القهوة في اللهجة المحلية، ثم وضع القناد، وهي المنكهات المختارة في دلة المزلة، وتأتي مرحلة التصفية بوضع ليفة تُصنع من لحاء النخيل في فوهة دلة التلقيمة لتصفية القهوة عند صبها.
«الحضيرة»
يُعرض ضمن «الحضيرة» التقاليد المرتبطة بإعداد وتجهيز القهوة باستخدام الأدوات التقليدية، بدءاً من «حمس» حبوب القهوة باستخدام «التاوة» و«المحماس»، ومن ثم تبريدها ودقها بالرشاد والمنحاز، وبعدها يتم غلي مسحوق القهوة في الدلة باستخدام الكوار والمنفاخ، بعدها يتم تقديم القهوة في دلة «المزلة» و«الفنيال» (الفنجان)، مع استخدام أدوات أخرى مساعدة، مثل جرة الماء، والمبخرة والمرش للترحيب بالضيوف، وغيرها من عناصر تراثية أصيلة.
«المنحاز»
يتم دق حبوب القهوة بالرشاد والمنحاز، وهو عبارة عن هاون ومدقة يصنعان من المعدن ويستخدمان لدق حبوب القهوة والمكونات الأخرى وطحنها، والغلي يتم بدلة الخمرة، وهي الوعاء الذي يستخدم في إعداد القهوة لغلي الماء، ويتسع الوعاء من اثنين إلى أربعة لترات من الماء ويُصنع من النحاس، ويتم تقديم القهوة باستخدام «دلة المزلة» وهي وعاء من النحاس.